للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩٨ - حكم من مات وليس في عنقه بيعة]

يقول السائل: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) ؟

الجواب: هذا بعض حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه بإسناده عن زيد بن محمد عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر رضي الله عنه إلى عبد الله بن مطيع حين كان أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثاً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية] صحيح مسلم ٤/٥٤٩. والمراد بالبيعة في هذا الحديث بيعة إمام المسلمين أو خليفة المسلمين الذي يبايعه أهل الحل والعقد من أمة الإسلام وهذا الحديث لا ينطبق على حكام هذا الزمان أو زعماء الأحزاب والجماعات المختلفة لأن كلاً منهم ليس إماماً لجماعة المسلمين وقد ذكر أهل العلم شروطاً لصحة البيعة منها أن يكون في المبَايَعُ له شروط الإمامة وقد فصلها العلماء في كتبهم وأن يكون المتولي لعقد البيعة – بيعة الانعقاد – أهل الحل والعقد، قال الماوردي: [فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم شروطاً ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته] الأحكام السلطانية ص ١٩. وعليه فإن أهل الحل والعقد من المسلمين هم الذين يتولون اختيار إمام المسلمين وخليفتهم ولا عبرة بقول العوام في بيعة الانعقاد قال الرملي الشافعي: [أما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة لها] نهاية المحتاج ٧/٣٩٠. ولا يصح دعوى بعض الحزبيين أن من لم يبايع أمير حزبهم فإنه إذا مات مات ميتة جاهلية فهذه الدعوى تعدٍ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيل للنصوص على غير محلها الصحيح وتلاعب بعقول العوام وترهيب لهم في غير موضعه فإن المقصود بالحديث إمام جماعة المسلمين وليس زعيم فئة من فئات المسلمين الكثيرة والمتناحرة فيما بينها. وإمام المسلمين الذي تجب له البيعة له شروط ذكرها أهل العلم كما أشرت سابقاً وهذه الشروط لا تنطبق على قادة الأحزاب والجماعات الموجودة حالياً. وحديث ابن عمر محل السؤال ذكره الإمام النووي في: [باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... ] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/٥٤٦. فالمقصود بالحديث: [من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية أي عند وجود الإمام الشرعي فقط وهذا هو الفهم الصحيح للحديث أنه إذا كان هناك إمام شرعي توفرت فيه شروط صحة البيعة وانتفت نواقضها فإنه يجب على المسلم أن يبادر إلى البيعة إذا كان من أهل الحل والعقد أو طلبت منه ولا يجوز له أن يبيت ولا يراه إماماً أما إذا لم تكن شروط صحة البيعة متوفرة في هذا الحاكم فليس عليه واجب البيعة بل عليه أن يسعى لإيجاد الإمام الشرعي حسب طاقته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. والذي يدل على أن الحديث خلاف ظاهره ما يلي: ١. أن البيعة واجبة وجوباً كفائياً إذا قام به البعض سقط عن الباقين كما هو قول الجمهور. ٢. فعل رواي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نفسه فهو أولى بفهم الحديث على وجهه الصحيح من غيره فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: أنه امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك بن مروان فبايع له حينئذ. فلو فهم الحديث على ظاهره لما بات ليلة إلا وفي عنقه بيعة لأحدهما يعطيها من يدله عليه اجتهاده على أنه أقرب للصواب وقد روي عنه قوله: ... لكني أكره أن أبايع أميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد. فالمقصود أنه أخذ مدة وليس في عنقه بيعة لأحد وهذا على خلاف ظاهر الحديث لانتفاء أحد شروط صحة البيعة وهو أن يكون المبايع واحداً كما مرّ] الإمامة العظمى ص ٢١٤-٢١٥. وخلاصة الأمر أن البيعة المقصودة في الحديث هي بيعة إمام جماعة المسلمين وليس زعيم جماعة من جماعات المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>