للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٣٩ - البيئة والحكم الشرعي]

التزام المسلمين بالأحكام الشرعية في بلاد غير المسلمين, يقول السائل: إنه سمع قولاً لأحد العلماء حول التزام المسلم الذي يعيش في بلاد غير المسلمين بالقوانين التي يضعها غير المسلمين وأن على المسلم احترام تلك الأنظمة وإن خالفت الدين الإسلامي مثل منع المرأة المسلمة من ارتداء الجلباب الشرعي فعلى المسلمة أن تطيع ذلك ولا تلبس الجلباب الشرعي فما قولكم في ذلك؟

الجواب: إن على المسلم الذي يقيم في ديار غير المسلمين أن يفرق بين الأنظمة التي يضعها أهل تلك البلاد والتي لا تتعارض مع أحكام ديننا الإسلامي الحنيف وبين الأنظمة والقوانين التي تعارض أحكام الشرع الثابتة بنصوص صريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو التي اتفق عليها أكثر أهل العلم. فمثلاً إذا كان نظام السير في دولة غربية يفرض على السائق أن لا يحصل على رخصة السياقة إلا إذا بلغ سناً معيناً وأن على السائق أن يجري فحصاً سنوياً لسمعه وبصره أو نحو ذلك فالمسلم الذي يعيش في تلك البلاد يطيع ذلك النظام ولا بأس عليه. وأما إذا فرض القانون على المسلم الذي يعيش في ديار غير المسلمين أن لا يصلي أو أن لا يصوم أو فرضوا على المرأة المسلمة ألا تلبس الجلباب الشرعي وأن تخرج سافرة فيحرم على المسلم طاعتهم لأن الطاعة لها حدود لا يجوز تجاوزها فإذ أُمِرَ المسلم بالقيام بمعصية سواء أكان الآمر مسلماً أو غير مسلم حاكماً أو غير حاكم فلا يجوز للمسلم الطاعة في المعصية. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) رواه البخاري. وقد نص العلماء على أن الطاعة تكون في غير معصية فقد روى الإمام البخاري الحديث السابق في (باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) صحيح البخاري مع فتح الباري ١٦/٢٣٩. وقال ابن خواز منداد من كبار فقهاء المالكية: [وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة ولا تجب فيما كان فيه معصية] تفسير القرطبي ٥/٢٥٩. ومما يدل على أن الطاعة تكون في المعروف ما ثبت في الحديث الصحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمَّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه. فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدم ناراً ثم دخلتم فيها. فجمعوا حطباً فأوقدوا ولما هموا بالدخول نظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً إنما الطاعة في المعروف) رواه البخاري. وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لأحد في معصية الخالق) رواه احمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر: وسنده قوي. فتح الباري ٥/٢٤١، وقال الألباني: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ١/١٣٧-١٤٤. إذا ثبت هذا فأقول إن على المسلم الذي يعيش في ديار غير المسلمين أن ينظر وأن يقيس الأمور بمقياس الشرع فإذا كان ما ألزم به من أنظمة وقوانين تلك البلاد لا يعد معصية فلا بأس أن يعمل بها وأما إن كان في ذلك معصية ومخالفة واضحة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فتحرم عليه الطاعة. قال الحافظ ابن حجر: (فإذا داهن فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض) فتح الباري ٥/٢٤١. وأوضح الأمر بمثال عملي مما يتعرض له المسلمون في بعض البلاد الغربية فقد ألزمت بعض المؤسسات التعليمية في إحدى الدول الغربية الفتيات المسلمات بخلع الجلباب الشرعي ومنعتهن من الدخول إلى تلك المؤسسات إلا باللباس الذي يظهر العورة ولا يستر البدن. والسؤال الذي طرح نفسه هو: ما حكم ارتداء المرأة المسلمة للجلباب الشرعي؟ الجواب: إن اللباس الشرعي الذي يستر ما أمر الله بستره فرض في حق المرأة المسلمة فلا يجوز لها الخروج من البيت إلا إذا سترت ما أمر الله بستره قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة الأحزاب ٥٩. وقال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) سورة النور الآية ٣١. وبناءاً على هذه النصوص الشرعية وغيرها يحرم على المرأة المسلمة أن تخرج من بيتها إلى السوق أو المدرسة أو الجامعة أو المؤسسة التي تعمل فيها إلا وهي ملتزمة باللباس الشرعي الذي أوجبه الله تعالى فإذا ألزمت المرأة المسلمة بنظام أو قانون بأن تخلع اللباس الشرعي فلا يجوز لها أن تطيع من أمرها بذلك لأنه يأمرها بمعصية الله تبارك وتعالى ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وينبغي التنبيه على أنه لو تعلق الأمر بمسألة خلافية بين فقهاء المسلمين فاخذ الإنسان بالرأي الأخف فلا حرج في ذلك وإن كان فيه موافقة لنظام وقوانين غير المسلمين. فمثلاً لو منعت امرأة من تغطية وجهها في مؤسسة أو جامعة أو مصنع فالتزمت بذلك فلا حرج عليها إن لم تغط وجهها لأن تغطية الوجه ليس فرضاً متفقاً عليه بين علماء المسلمين فكثير من الفقهاء يرون عدم وجوب تغطية المرأة لوجهها وهذا الرأي معتبر ومستند على أدلة قوية فلو أن المرأة المسلمة أخذت بهذا الرأي فلا حرج عليها إن شاء الله. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>