للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٤٠ - إخفاء العمل عن الناس ثم علمهم]

يقول السائل: ما قولكم في رجل يُسئل: هل صليت العصر؟ فيقول: لقد أتيت الآن من المسجد الأقصى حيث صليت جماعة. وفي آخر صائم ويسر أشد السرور إذا دعاه أحد لتناول شراب أو طعام لينتهز الفرصة ويقول: إني صائم. وفي آخر تصدق بصدقة وأخفاها ثم انكشف أمرها فانتعش صدره فرحاً بأن الناس عرفوا أنه قصد إخفاءها. وفي آخر أيضاً تبرع ببناء مسجد وعندما يذكر الموضوع أمامه يقول: بل وتنازلت أيضاً عن أجرة دكان لي لتنفق على ذلك المسجد. أفتونا مأجورين؟

الجواب: إن السرور الحاصل للإنسان عندما تعرف طاعته وفرحه بعلم الناس بعبادته ليس من الرياء لأن هذا الأمر طرأ بعد الفراغ من العبادة. وليس من الرياء أيضاً أن يسر الإنسان بفعل الطاعة لأن ذلك دليل إيمانه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرته حسنته وساءته سيئتة فذلك المؤمن) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله: بينما أنا في بيتي في مصلاي إذا دخل عليَّ رجل فأعجبني الحال التي رآني عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله يا أبا هريرة لك أجران أجر السر وأجر العلانية) رواه البغوي في شرح السنة ١٤/٣٢٨. وجاء في رواية أخرى عن أبي هريرة: (أن رجلاً قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل يعمل العمل ويُسِرُهُ - أي يخفيه - فإذا اطُّلع عليه سَرَّهَ؟ قال: له أجران أجر السر وأجر العلانية) رواه الترمذي وقال: حديث غريب؟ ورواه ابن حبان وصححه ورواه ابن ماجة. وقال الإمام الترمذي: [وقد فسر بعض أهل العلم هذا الحديث بأن معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنتم شهداء الله في الأرض) فيعجبه ثناء الناس عليه لهذا فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير ويكرّم ويعظّم على ذلك فهذا رياء. وقال بعض أهل العلم: إذا اطلع عليه فأعجبه رجاء أن يعمل بعمله فتكون له مثل أجورهم] تحفة الأحوذي ٧/٥٠. وقال ابن حبان: [- قوله إن الرجل يعمل العمل ويُسِرُهُ فإذا اطُّلع عليه سَرَّهَ - فمعناه أنه يُسُرُه أن الله تعالى وفقه لذلك العمل فعسى أن يستن به فيه فإذا كان كذلك كتب له أجران وإذا سره ذلك لتعظيم الناس إياه أو ميلهم إليه كان ضرباً من الرياء لا يكون له أجران ولا أجر واحد] صحيح ابن حبان ٢/١٠٠. وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن) . قال الإمام النووي: [قال العلماء معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث ثم يوضع له القبول في الأرض. هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم] شرح النووي على صحيح مسلم ٦/١٤٤. وخلاصة الأمر أن الأمور المذكورة في السؤال وأن معرفة الناس بها بعد حصولها ليس من الرياء وسرور الإنسان بعمله ليس من الرياء ولكن إن أحب أن يحمده الناس لتعرف مكانته وتقضى حوائجه ولكي يعظموه ويمدحوه فهذا مكروه مذموم. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>