للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٥٠ - الكلام باللغات الأجنبية]

يقول السائل: بعض الناس يتحدثون باللغة الإنجليزية في بيوتهم مع أولادهم وكذلك في أعمالهم يكون معظم كلامهم بالإنجليزية ويعتبرون ذلك نوعاً من التقدم والرقي فما قولكم في ذلك؟

الجواب: يجب أن يعلم أولاً أن تعلم اللغات الأخرى أمر لا بد منه وخاصة اللغات الحية كالإنجليزية، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طلب من بعض الصحابة أن يتعلموا بعض اللغات. ونص العلماء على جواز ذلك وخاصة في زماننا حيث إن اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم والتقدم في مختلف مجالات الحياة. ويجب أن يعلم أن تعلم اللغات الأخرى لا يجوز أن يكون على حساب لغتنا الأصلية اللغة العربية، ومن المؤسف جداً أن بعض الناس يتفاخرون بأنهم يدرسون أبنائهم اللغات الأجنبية في المدارس الأجنبية مع تقصيرهم الشديد في تعليمهم اللغة العربية إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولغة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا) سورة يوسف الآية ٢، وقال تعالى: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) سورة الشعراء الآية ١٩٥، وقال تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) سورة النحل ١٠٣. والمسلم مطلوب منه أن يتعلم اللغة العربية وأن يعلمها أبنائه وأن يتحدث بها وقد كره العلماء أن يخلط الإنسان في كلامه بين العربية وغيرها من اللغات فقد ورد عن عمررضي الله عنه قال: [تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل والمروءة] . وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: [أن مر من قبلك بتعلم العربية فإنها تدل على صواب الكلام ومرهم برواية الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق] . وورد عن عمر رضي الله عنه: [أنه مرَّ على قوم يقرئ بعضهم بعضاً فقال: اقرأوا ولا تلحنوا] . وورد عنه أنه قال: [عليكم بالفقه في الدين والتفهم في العربية وحسن العباره] . وورد عنه أنه قال: [لا تعلموا رطانة الأعاجم] . وسئل الحسن البصري: [ما تقول في قوم يتعلمون العربية؟ فقال: أحسنوا، يتعلمون لغة نبيهم] . وقال ابن شهاب الزهري: [ما أحدث الناس مروءة أعجب من تعلم الفصاحة] انظر الصقعة الغضبية ص ٢٤٣ -٢٥٠. ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشافعي قوله: [سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً ولم تزل العرب تسميهم التجار ثم سماهم رسول الله بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب والسماسرة اسم من أسماء العجم فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بالعجمية وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم ولهذا نقول ينبغي لكل واحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى مرغوباً فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية] اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٤. وبين شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يكره تعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون. المصدر السابق ص ٢٠٣. وقال شيخ الإسلام: [وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه] الاقتضاء ص ٢٠٦. وقال ابن تيمية أيضاً: [وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات وهو - التكلم بغير العربية - إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه] مجموع الفتاوى ٣٢/٢٥٥. وهذا الذي ذكره الشافعي وشيخ الإسلام من كراهة الرطانة أي الحديث بغير العربية قال به كثير من أهل العلم من الأئمة والصحابة والتابعين وغيرهم. وقال حرب الكرماني - من أصحاب الإمام أحمد -: [باب تسمية الشهور بالفارسية، قلت لأحمد: فإن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف؟ فكره ذلك أشد الكراهة!] اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٠٢، الآداب الشرعية لابن مفلح ٣/٤٣٢-٤٣٣. واللغة العربية التي وسعت القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووسعت شعر العرب وأدبهم قادرة على أن تسع أسماء المخترعات الجديدة والعلوم الحديثة فلا يظنن أحد أن اللغة العربية عاجزة وإنما العجز في الناطقين بها. قال الإمام الشافعي: [ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً وأكثر ألفاظاً] الرسالة ص ٤٢. وقال الشافعي منبهاً إلى فضل العربية: [وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز والله أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) وقال تعالى: (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، وقال تعالى: (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ... الخ] الرسالة ص ٤٦-٤٧. وصدق حافظ إبراهيم شاعر النيل عندما قال مدافعاً عن اللغة العربية: رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول داتي ولدت ولما لم أجد لعرائسي رجالاً وأكفاءً وأدت ـناتي وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آي به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي ?????

<<  <  ج: ص:  >  >>