للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٥٢ - القرآن الكريم]

يقول السائل: لدي مصحف قديم قد بلي وتمزقت أوراقه فماذا أصنع فيه؟

الجواب: ينبغي أن يعلم أنه يجب على المسلم المحافظة على المصحف والاعتناء به جيداً على أكمل الوجوه، قال الإمام النووي: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن ص ١٠٨. ومن المحافظة على المصحف صيانته من التمزق والعناية بتجليده ولا ينبغي وضع أي كتاب عليه. وإنما يوضع المصحف فوق الكتب واستحب بعض أهل العلم أن يوضع المصحف في مكان خاص كأن يوضع على كرسي خاص به كذا ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية ٢/٣٣٣. وأما إذا بلي المصحف وتمزقت أوراقه ولم يعد صالحاً للقراءة فيه فحينئذ يجوز حرقه على رأي جماعة من أهل العلم، أو دفنه في أرض طيبه على قول آخرين من العلماء. وأما حرق المصحف إذا بلي فيؤيده ما رواه الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة، إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) . والشاهد من هذا الحديث قوله: (وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) . وقد ورد في بعض روايات الحديث السابق: (أن يخرق) بالخاء وليس بالحاء ولكن صحح كثير من العلماء رواية (أن يحرق) بالحاء ورجحوها على الرواية بالخاء. قال الحافظ ابن حجر: [وقد وقع في رواية شعيب عند ابن أبي داود والطبراني وغيرهما: وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به، قال: فذلك زمان حرقت المصاحف في العراق بالنار، وفي رواية سويد بن غفلة عن علي قال: لا تقولوا لعثمان في إحراق المصاحف إلا خيراً، وفي رواية بكير بن الأشج: فأمر بجمع المصاحف فأحرقها ثم بث في الأجناد التي كتب. ومن طريق مصعب بن سعد قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك أو قال لم ينكر ذلك منهم أحد، وفي رواية أبي قلابة: فلما فرغ عثمان من المصحف كتب إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم، والمحو أعم أن يكون بالغسل أو التحريق. وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع ويحتمل وقوع كل منهما بحسب ما رأى من كان بيده شيء من ذلك وقد جزم عياض بأنهم غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها، قال ابن بطال: في هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار وأن ذلك إكرام لها وصون عن وطئها بالأقدام، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق طاووس أنه كان يحرق الرسائل التي فيها البسملة إذا اجتمعت وكذا فعل عروة وكرهه إبراهيم وقال ابن عطية: الرواية بالحاء المهملة أصح، وهذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت وأما الآن فالغسل أولى لما دعت الحاجة إلى إزالته] فتح الباري ١٠/٣٩٥. وروى أبو بكر بن أبي داود عن طاووس بإسناده: [أنه لم يكن يرى بأساً أن تحرق الكتب، وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله] وإسناده صحيح غاية المرام ٢/١٢٢. وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن طاووس قال: [كان أبي يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده فيها الرسائل فيها: بسم الله الرحمن الرحيم] مصنف عبد الرزاق ١١/٤٢٥. وقال ابن جرير الطبري فيما فعله عثمان: [وجمعهم على مصحف واحد وحرف واحد وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف للمصحف الذي جمعهم عليه أن يحرقه فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية] تفسير ابن جرير الطبري ١/٦٤-٦٥، نقلاً عن مباحث في علوم القرآن ص ١٣٢. وقال الشيخ القرطبي: [وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد عن سويد بن غفلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا معشر الناس اتقوا الله! وإياكم والغلو في عثمان وقولكم: حرّاق المصاحف فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وعن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان. قال أبو الحسن بن بطال: وفي أمر عثمان بتحريق الصحف والمصاحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام وطرحها في ضياع من الأرض. روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه: أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عند الرسائل فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، وحرق عروة بن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرّه، وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله تعالى وقول من حرقها أولى بالصواب وقد فعله عثمان وقد قال القاضي أبو بكر لسان الأمة: جائز للإمام تحريق الصحف التي فيها القرآن إذا أداه الاجتهاد إلى ذلك] تفسير القرطبي ١/٥٤-٥٥. وأما دفن المصحف إذا بلي وتمزق فنص عليه الإمام أحمد رحمه الله وذكر الإمام أحمد أن أبا الجوزاء بلي له مصحف فحفر له في مسجده فدفنه، ذكره ابن مفلح في الفروع ١/١٩٤. وروى عبد الرزاق بإسناده عن إبراهيم النخعي أنه كره أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله. مصنف عبد الرزاق ١١/٤٢٥. وعند الحنفية يدفن المصحف في أرض طيبة كما قال الإمام العيني: [قال أصحابنا الحنفية إن المصحف إذا بلي بحيث لا ينتفع به يدفن في مكان طاهر بعيد عن وطء الناس] عمدة القاري شرح صحيح البخاري ١٣/٥٣٧، وانظر الفتاوى الهندية ٥/٣٢٣. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: [وأما المصحف العتيق والذي تخرق وصار بحيث لا ينتفع به بالقراءة فيه فإنه يدفن في مكان يصان فيه كما أن كرامة بدن المؤمن دفنه في موضع يصان فيه] مجموع الفتاوي ١٢/٥٩٩. وخلاصة الرأي الذي أراه جواز الأمرين وهما الحرق والدفن في أرض طيبة لأن فيهما صيانة للمصحف من الإهانة ومحافظة على حرمته وقد أجازت الأمرين اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية. فتاوى اللجنة ٤/٥٢. وأخيراً ينبغي أن يعلم أنه يلحق بالمصحف الذي بلي ولم يعد صالحاً للقراءة فيه المصحف الذي يقع في طباعته أخطاء كإسقاط بعض الآيات أو تقديم بعض الآيات عن محلها أو تأخيره وأود تنبيه الأخوة القراء بأن هنالك طبعة للقرآن الكريم مع تفسير الجلالين ومعه أسباب النزول للسيوطي صادرة عن دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت لبنان سنة ١٩٦٨ م قد وقع فيها سقط في بعض آيات القرآن الكريم كما يلي: - في الآية ١٩٧ من سورة البقرة حيث سقط آخر الآية. - وسقط أول الآية ١٩٨. - وسقط جزء من الآية ٢٠١. - وفي سورة الأعراف سقط جزء من الآية ٤٤. - وسقط آخر الآية ٥٥. - وفي سورة الإسراء سقط معظم الآية ٣٥. - وفي سورة الحج كتب أول الآية الثانية بشكل معكوس. فينبغي الانتباه إلى ذلك وأنصح بإتلاف نسخ الطبعة المشار إليها بحرقها أو دفنها في مكان طاهر. ?????

<<  <  ج: ص:  >  >>