للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٦ - أذانان لصلاة الجمعة]

يقول السائل: إن إمام المسجد عندهم جعل الأذانين يوم الجمعة أذاناً واحداً بحجة أن أذان الجمعة كان واحداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واعترض كثير من المصلين عليه فما قولكم في ذلك أفيدونا؟

الجواب: الثابت أن النداء – الأذان - يوم الجمعة كان واحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان المؤذن يرفع الأذان بعد جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وبعد الفراغ من الخطبة تقام الصلاة واستمر الحال على ذلك على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفي عهد عثمان رضي الله عنه أحدث الأذان الثاني بمحضر من الصحابة الكرام وأقروه على ذلك واستمر العمل بالأذانين لصلاة الجمعة حتى وقتنا الحاضر.

وينبغي أن يعلم أن الأذان الذي زاده عثمان رضي الله عنه يسمى الأذان الأول باعتبار أنه الأول في الترتيب حيث إنه يكون قبل الأذان بين يدي خطيب الجمعة.

ويسمى أيضاً الأذان الثاني باعتبار أنه الأذان الحقيقي الثاني والإقامة تسمى أذاناً من باب التغليب وهو أسلوب معروف في لغة العرب، أو لاشتراكهما في الإعلام ويسمى أيضاً الأذان الثالث لأنه زيد على الأذان والإقامة المعروفين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقامة تسمى أذاناً من باب التغليب كما سبق

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وقوله في هذه الرواية (أوله إذا جلس الإمام على المنبر) معناه: أن هذا الأذان كان هو الأول، ثم تليه الإقامة، وتسمى: أذاناً كما في الحديث المشهور: (بين كل أذانين صلاةٌ) . وخرّجه النسائي ... ولفظه: (كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، فإذا نزل أقام، ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر، فلما زاد عثمان النداء الثالث صار هذا الثالث هو الأول، وصار الذي بين يدي الإمام هو الثاني.] فتح الباري للحافظ ابن رجب الحنبلي، عن الإنترنت، وهذا الكتاب غير الكتاب المشهور بنفس العنوان للحافظ ابن حجر العسقلاني.

وقال الإمام الشوكاني: [قوله: (زاد النداء الثالث) في رواية: (فأمر عثمان بالنداء الأول) وفي رواية: (التأذين الثاني أمر به عثمان) ولا منافاة لأنه سمي ثالثاً باعتبار كونه مزيداً وأولاً باعتبار كون فعله مقدماً على الأذان والإقامة وثانياً باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة] نيل الأوطار ٣/٢٩٨.

إذا تقرر هذا فأقول قد ثبت في الحديث عن السائب بن يزيد: (قال كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء قال أبو عبد الله – أي الإمام البخاري - الزوراء موضع بالسوق بالمدينة) رواه البخاري.

وفي رواية أخرى عند البخاري (عن الزهري قال سمعت السائب بن يزيد يقول إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك)

وفي رواية أخرى عن السائب قال (كان النداء الذي ذكره الله في القرآن يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وحتى خلافة عثمان فلما كثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده.

وعند ابن خزيمة في صحيحه عن السائب قال (كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة) في روايةأخرى لابن خزيمة عن السائب قال: (كان الأذان على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة) وفسر الأذانين بالأذان والإقامة يعني تغليبًا كما قال الشوكاني في نيل الأوطار ٣/٢٩٨.

والأذان الذي أحدثه عثمان رضي الله عنه بمحضر من الصحابة وأقروه عليه لا يعتبر من البدع المحدثة بل هو سنة من سنن الخلفاء الراشدين وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتباع ولزوم سنن الخلفاء الراشدين كما ورد

في الحديث عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ٣/٨٧١. وقد قرر العلماء أن إتباع ما سنه عثمان رضي الله عنه في أذان الجمعة إنما هو إتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذاً من الحديث السابق كما أن موافقة الصحابة رضوان الله عليهم لعثمان رضي الله عنه على ما فعل يعتبر من باب الإجماع السكوتي وهو حجة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية [ويتوجه أن يقال هذا الأذان لما سنَّه عثمان رضي الله عنه واتفق المسلمون عليه صار أذاناً شرعياً] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٤/١٩٣-١٩٤.

وقال الشيخ بدر الدين العيني عن الأذان العثماني: [ ... هو أول في الوجود ولكنه ثالث باعتبار شرعيته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعاً سكوتياً وإنما أطلق الأذان على الإقامة لأنها إعلام كالأذان] عمدة القاري شرح صحيح البخاري ٥/٧٣.

وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز [ ... الأفضل أن يكون للجمعة أذانان إقتداءً بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لأنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتباع سنتهم ولأن لهذا أصلاً من السنة النبوية حيث شرع في رمضان أذانين أحدهما من بلال والثاني من ابن أم مكتوم رضي الله عنهما وقال: «إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» . ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فيما نعلم] عن موقع الشيخ على الإنترنت.

وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز أيضاً [ ... إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في المدينة فرأى أن يزاد الأذان الثالث، ويقال له: الأذان الأول لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم جمعة حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال وتابعه بهذا الصحابة الموجودون في عهده، وكان في عهده علي رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم، وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعاً لما فعله الخليفة الراشد رضي الله عنه وتابعه عليه الخليفة الراشد الرابع علي رضي الله عنه وهكذا بقية الصحابة.

فالمقصود أن هذا حدث في خلافة عثمان وبعده واستمر عليه غالب المسلمين في الأمصار والأعصار إلى يومنا هذا، وذلك أخذا بهذه السنة التي فعلها عثمان رضي الله عنه لاجتهاد وقع له ونصيحة للمسلمين ولا حرج في ذلك. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وهو من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه والمصلحة ظاهرة في ذلك فلهذا أخذ بها أهل السنة والجماعة ولم يروا بهذا بأساً لكونه من سنة الخلفاء الراشدين عثمان وعلي ومن حضر من الصحابة ذلك الوقت رضي الله عنهم جميعاً.] عن موقع الشيخ على الإنترنت.

وقال الشيخ صالح الفوزان: [الأذان الأول سنة الخلفاء الراشدين، فقد أمر به عثمان رضي الله عنه في خلافته لما كثر الناس وتباعدت أماكنهم، فصاروا بحاجة إلى من ينبههم لقرب صلاة الجمعة، فصار سنة إلى يومنا هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. وعثمان من الخلفاء الراشدين وقد فعل هذا وأقره الموجودون في خلافته من المهاجرين والأنصار، فصار سنة ثابته.] المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ٣/٣٧.

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية بأن الأذان العثماني ليس بدعة لما ورد من الأمر بإتباع سنة الخلفاء الراشدين وأنه لم ينكر على عثمان رضي الله عنه أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وتبعه جماهير المسلمين على ذلك. انظر فتاوى اللجنة الدائمة ٨/١٩٨-٢٠٠.

وخلاصة الأمر أن الأذان الأول – الأذان العثماني – سنة من سنن الخلفاء الراشدين التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإتباعها ولا ينبغي لأحد أن يلغي هذا الأذان وما وسع المسلمين السابقين يسعنا ولنا فيهم قدوة حسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>