للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٩ - الجمع بين الصلوات]

يقول السائل: هل يجوز لمن يصلي في بيته أن يجمع بين الصلاتين بسبب المطر؟

الجواب: كثر تساهل الناس في أيامنا هذه في الجمع بين الصلوات للمطر ومن أمثلة هذا التساهل:

الجمع بين الصلاتين مع عدم وجود المطر. والجمع بين الصلاتين مع وجود مطر خفيف أو رذاذ.

والجمع بين الصلاتين مع وجود ريح خفيفة. والجمع بين الصلاتين للمنفرد في بيته.

ويجب أن يعلم أن كل من يجمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فجمعه باطل أي أن صلاته الثانية باطلة لأنها وقعت في غير وقتها المقدر لها شرعاً فدخول الوقت شرط من شروط صحة الصلاة والأصل في الصلوات الخمس أن تصلى كل منها في وقتها الشرعي قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) سورة النساء الآية ١٠٣. قال الشوكاني في تفسير الآية: [أي محدوداً معيناً يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو مؤقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما] تفسير فتح القدير ١/ ٥١٠. وكذلك فإن من جمع بين الصلاتين بدون عذر شرعي فقد ارتكب حراماً بل كبيرة من كبائر الذنوب كما نص على ذلك ابن حجر المكي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر ١/٢٨٨-٢٨٩. وقد روي في الحديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) رواه الترمذي والحاكم وهو حديث ضعيف ضعفه الحافظ ابن حجر وغيره. وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة حديث رقم ٤٥٨١.

وقال محمد بن الحسن الشيباني في موطئه: [وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب في الآفاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر أخبرنا بذلك الثقات عن العلاء بن الحارث عن مكحول] الموطأ برواية محمد بن الحسن ص٨٢.

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: (الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة العدوي قال (قرىء علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين) يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنميمة. الدر المنثور ٢/ ٥٠٢.

وقال الإمام البيهقي: [" باب ذكر الأثر في أن الجمع من غير عذر من الكبائر مع ما دلت عليه أخبار المواقيت ثم روى بسنده عن عمر رضي الله عنه قال: (جمعٌ الصلاتين من غير عذر من الكبائر) قال الشافعي في سنن حرملة العذر يكون بالسفر والمطر وليس هذا بثابت عن عمر هو مرسل. قال الشيخ هو كما قال الشافعي والإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا وهو مرسل. أبو العالية لم يسمع من عمر رضي الله عنه وقد روى ذلك بإسناد آخر قد أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه ... (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه كتب إلى عامل له ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا في عذر والفرار من الزحف والنهبى) أبو قتادة العدوي أدرك عمر رضي الله عنه فإن كان شهده كتب فهو موصول وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قوياً وقد روي فيه حديث موصول عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده من لا يحتج به ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جمعٌ بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر) . لفظ حديث نعيم وفي رواية يعقوب (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر) تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره] سنن البيهقي ٣/١٦٩.

وعلق التركماني على كلام البيهقي بقوله: [ذكر فيه الأثر عن أبي العالية عن عمر ثم قال: (مرسل.

أبو العالية لم يسمع من عمر) قلت: أبو العالية أسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر وقد قدمنا غير مرة أن مسلماً حكى الإجماع على أنه يكفي لاتصال الإسناد ثبوت كون الشخصين في عصر واحد وكذا الكلام في رواية أبي قتادة العدوي عن عمر فإنه أدركه كما ذكره البيهقي بعد فلا يحتاج في اتصاله إلى أن يشهده] الجوهر النقي بهامش المصدر السابق.

وذكر ابن كثير الأثر عن أبي قتادة العدوى قال: قرئ علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنهبة. وهذا إسناد صحيح والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديماً أو تأخيراً وكذا المغرب والعشاء كالجمع بسبب شرعي فمن تعاطاه بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكباً كبيرة فما ظنك بترك الصلاة بالكلية) تفسير ابن كثير ١/ ٤٨٥.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن ترك صلاة واحدةً عمداً بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاءً فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر فأجاب الحمد لله نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمداً من الكبائر بل قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر وقد رواه الترمذى مرفوعاً عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر. ورفع هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان فيه نظر فإن الترمذي قال العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له] مجموع الفتاوى ٢٢ /٥٣-٥٤.

إذا تقرر هذا فإنه لا يجوز الجمع للمنفرد في بيته ولا لمن يصلون جماعة في بيوتهم على الصحيح من أقوال أهل العلم فإن الجمع للمطر يصح فقط في المساجد ونحوها من المصليات وهذا قول المالكية والقول المعتمد عند الشافعية وأحد القولين في مذهب أحمد. قال الإمام الشافعي: [ولا يجمع إلا من خرج من بيته إلى المسجد يجمع فيه، قَرُبَ المسجد أو كثر أهله أو قلَّوا أو بعدوا ولا يجمع أحد في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المسجد والمصلي في بيته مخالف المصلي في المسجد] الأم ١/٩٥. وقال الإمام النووي بعد أن تكلم على أحكام الجمع بين الصلاتين للمطر: [ثم هذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يأتيه من بُعدٍ ويتأذى بالمطر في إتيانه. فأما من يصلي في بيته منفرداً أو في جماعة أو مشى إلى المسجد في كن أو كان المسجد في باب داره أو صلى النساء في بيوتهن جماعة أو حضر جميع الرجال في المسجد وصلوا أفراداً فلا يجوز الجمع على الأصح. وقيل: على الأظهر] روضة الطالبين ١/٥٠١-٥٠٢. وقال الإمام النووي أيضاً: [قال أصحابنا والجمع بعذر المطر وما في معناه من الثلج وغيره يجوز لمن يصلي جماعة في مسجد يقصده من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه] المجموع ٤/٣٨١.

وقل الماوردي: [فأما إذا أراد الجمع بينهما في منزله أو في المسجد وكان بينهما ساباط يرفع عنه أذى المطر ففي جواز ذلك قولان: أحدهما: وهو قوله في الإملاء: يجوز له الجمع في جماعة وفرادى لراوية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في المطر وقد كان منزله في المسجد.

والقول الثاني: نص عليه في كتاب الأم: لا يجوز له الجمع لا في جماعة ولا منفرداً لأن الجمع بينهما يجوز لأجل المشقة وما يلحقه من أذى المطر وإذا عدم هذا المعنى امتنع جواز الجمع وما روي من جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعله كان وهو في غير منزل عائشة رضي الله عنها لأنه قد كان يطوف على نسائه ولم يكن منزل جميع نسائه في المسجد وإنما كان منزل عائشة رضي الله عنها وحدها فيه] الحاوي ٢/٣٩٨-٣٩٩.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معللاً القول بمنع المنفرد من الجمع للمطر: [لأن الجمع لأجل المشقة فيختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه كالرخصة في التخلف عن الجمعة والجماعة يختص بمن تلحقه المشقة دون من لا تلحقه] المغني ٢/٢٠٤. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السعودية السؤال التالي: [ما حكم الجمع في البيت أيام المطر أو أيام البرد إذا كنا جماعة؟ والذي نعرفه أن الجمع في المسجد وليس في البيت. أفيدونا.

الجواب: المشروع أن يجمع أهل المسجد إذ وجد مسوغ للجمع كالمطر كسباً لثواب الجماعة ورفقاً بالناس وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة. أما جمع جماعة في بيت واحد من أجل العذر المذكور فلا يجوز لعدم وروده في الشرع المطهر وعدم وجود العذر المسبب للجمع] فتاوى اللجنة الدائمة ٨/١٣٤-١٣٥.

وأجاب مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية في قطر عن السؤال التالي: [هل يجوز للمصلي أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر أو المغرب والعشاء بسبب البرد والمطر في بيته أو في عمله؟

الجواب: فلا يجوز الجمع بين الصلاتين للمنفرد لعذر المطر، لأن الشرع أباح الجمع بين الصلاتين عند المطر رفعاً لمشقة الحضور إلى المسجد في الجو الممطر، ومحافظة على صلاة الجماعة، وهذا السبب المبيح غير متحقق في حق الفرد، لأنه لا جماعة يحافظ عليها، ولا مشقة عليه ما دام سيصلي في بيته، حيث فاتته صلاة الجماعة) عن الإنترنت. وخلاصة الأمر أن الجمع للمطر مشروع في الجماعات في المساجد ولا يجوز لمن صلى في بيته جماعة أو منفرداً أن يجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>