للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٢ - الكهان الجدد]

يقول السائل: ما قولكم فيما انتشر أخيراً عبر بعض القنوات الفضائية التي تبث برامج مباشرة مع بعض المشعوذين والكهان الذين يزعمون أنهم يحلون مشكلات الناس من خلال الطلاسم والاستعانة بالجن، أفيدونا؟

الجواب: ما يعرض على بعض المحطات الفضائية من التنجيم والشعوذة والسحر والكهانة وغير ذلك من المسلسلات الإباحية ومشاهد الدعارة والعهر الفني كل ذلك يصب في محاربة الإسلام الصحيح وتشويه صورة المسلمين كما أن من أهدافه إشغال الناس عن قضايا الأمة الهامة ومحاربة النسيج الاجتماعي للمجتمع الإسلامي، وغير ذلك من الأهداف الخبيثة.

ومن المعلوم أن التنجيم والشعوذة والسحر والكهانة معروفة منذ عهد بعيد وكان العرب يتعاطونها ووردت فيها النصوص الكثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآية ١٠٢. وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافا ً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٣/١٧٢. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [العرَّاف اسم للكاهن والمنجم والرَّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) مجموع الفتاوى ٣٥/١٧٣. ويؤخذ من النصوص السابقة أن مجرد إتيان الكاهن وسؤاله عن شيء يعاقب المسلم عليه بأن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً وأما إذا صدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} سورة الأنعام الآية ٥٩. وقوله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) سورة النمل الآية ٦٥. وقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) سورة الجن الآيات ٢٦-٢٧. قال الإمام القرطبي [قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم. وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى وينظر في الكتب ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على ما يشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه] تفسير القرطبي ١٩/٢٨، وبناءً على ما تقدم قرر أهل العلم حرمة الذهاب إلى هؤلاء الكهان والسحرة والمشعوذين كما ثبت في حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه (قلت يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم) رواه مسلم.

إن ما يقوم به المنجمون والكهان والمشعوذون الجدد عبر بعض المحطات الفضائية إنما هو تخريب لعقيدة التوحيد ودعوة صريحة للشرك وإفساد لعقيدة المسلمين، فقد سمعت أحد هؤلاء الكهان يقول لإحدى المتصلات: لا تقرأي القرآن ولا تأخذي ولدك إلى الكعبة، وفي اتصال آخر يطلب كتابة آيات القرآن معكوسة وهذا تلاعب بكتاب الله عز وجل واستهزاء به، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ} سورة التوبة الآيتان ٦٥- ٦٦. ويزعم هؤلاء الدجاجلة أن هنالك خداماً لسور القرآن الكريم!! وهذا كذب وافتراء على كتاب الله عز وجل. كما أن في هذه البرامج تعليم السحر للناس على الهواء مباشرة ففي واحد من هذه البرامج يقوم الساحر بتعليم المتصلين والمتصلات طريقة السحر فيعرض حجاباً مكتوباً على صحيفة كبيرة على الشاشة ويقول للمتصل (اكتب اسمك في هذا المربع بين الطلاسم واسم أمك في المربع الآخر ولن يضرك شيئ بعده) ويقول هذا الساحر لإحدى المتصلات (رزقك عندي.. حياتك عندي.. علاقتك مع زوجك عندي.. لا مو هذا بس.. كل شيء عنك عندي) ولا شك أن هذا من الدجل بلا خجل، ولا يغيب عنا قوله تعالى في حق رسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} سورة الأعراف الآية ١٨٨.

ويضاف إلى ذلك أن للموضوع خطورة كبيرة على الأسرة والمجتمع حيث إن معظم المتصلين على هذه البرامج من النساء ويسألن عن قضايا تتعلق بحياتهن الزوجية وهؤلاء الأفاكين يوجهون النساء إلى الطلاق كأسهل حل لمشكلاتهن مع أزواجهن وصدق الله العظيم إذ يقول {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} . وحل المشكلات الزوجية لا يكون باللجوء إلى هؤلاء الكهان وإنما البحث عن حقيقة المشكلة وحلها بتعقل وباستشارة أهل العلم والخيرين من الناس.

وخلاصة الأمر أنه يحرم تصديق هؤلاء الدجاجلة ويحرم الاتصال بهذه المحطات لسؤالهم وأن هذا يدخل في التعاون على الإثم والعدوان كما قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>