للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٠١ - صلاة الجمعة]

اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد,

يقول السائل: قد يوافق يوم الجمعة القادم عيد الفطر فماذا نفعل بالنسبة لصلاة الجمعة حيث أنني أنوي أن أصلي العيد إن شاء الله تعالى؟ الجواب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة اختلافاً كبيراً، فقال الحنفية يجب إقامة صلاة الجمعة ولا تسقط عمن شهد العيد وهذا هو المشهور عن المالكية كما في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/٣٩١. وهؤلاء العلماء يرون أن عموم الأدلة التي أوجبت الجمعة لم يقم دليل على تخصيصها وما ورد من أحاديث وآثار في المسألة لا يصح تخصيصها للعموم عندهم لما فيها من مقال. وذهب الشافعية إلى أن الجمعة تسقط عن أهل القرى والبوادي الذين يصلون العيد مع أهل البلد، وأما أهل البلد فمطالبون بصلاة الجمعة وهذا أيضاً رواية عن الإمام مالك ويدل لهذا القول ما ورد عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في خطبته: (أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف فلينصرف) رواه مالك في الموطأ. وذهب الحنابلة وعامة أهل الحديث إلى أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد سواء أكان من البلد أو من القرى إلا الإمام فينبغي أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ويدل على هذا القول ما ورد في الحديث عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: (شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلمعيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصلِ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وفي سنده اختلاف فصححه جماعة من أهل الحديث وضعّفه آخرون. وعن عطاء بن أبي رباح قال: [صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحداناً وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له. فقال: أصاب السنة] رواه أبو داود والنسائي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وصحح الإمام أحمد والدارقطني إرساله وقال الخطابي: [في إسناد حديث أبي هريرة مقال ويشبه أن يكون معناه لو صح أن يكون المراد بقوله (فمن شاء أجزأه من لجمعة) أي عن حضور الجمعة ولا يسقط عنه الظهر] عون المعبود شرح سنن أبي داود ٣/٢٨٩. وضعّفه الحافظ ابن عبد البرّ، فتح المالك ٣/٣٣٧، وقال الإمام النووي: إسناده ضعيف، المجموع ٤/٣٩٢. وانظر أيضاً التلخيص الحبير ٢/٨٧-٨٨، إعلاء السنن ٤/٩٣-٩٨، الفتح الرباني ٦/٣٢-٣٦. وهذه الأحاديث والآثار لو صحّت ينبغي المصير إليها ولكن في النفس من صحتها شيء نظراً للخلاف فيها بين المحدثين. قال الحافظ ابن عبد البرّ: [فقد اختلف العلماء في تأويل قول عثمان هذا واختلفت الآثار في ذلك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف العلماء في تأويلها والأخذ بها] فتح المالك ٣/٣٣٥. وقال الحافظ ابن عبد البرّ أيضاً بعد أن ذكر حديث أبي هريرة السابق وضعّفه وذكر روايات أخرى له قال: [فقد بان في هذه الرواية ورواية الثوري لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ذلك اليوم بالناس وفي ذلك دليل على أن فرض الجمعة والظهر لازم وأنها غير ساقطة وأن الرخصة إنما أريد بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهد العيد من أهل البوادي والله أعلم وهذا تأويل تعضده الأصول وتقوم عليه الدلائل ومن خالفه فلا دليل معه ولا حجة له] فتح المالك ٣/٣٣٧. وقال الحافظ ابن عبد البرّ أيضاً: [وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عزّ وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) سورة الجمعة الآية ٩. ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث] فتح المالك ٣/٣٣٨-٣٣٩. وقد رجحّ جماعة من العلماء القول بسقوط الجمعة عمن صلى العيد كشيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني والصنعاني وغيرهم.

وخلاصة الأمر أنه ينبغي على من صلى العيد أن يصلي الجمعة خروجاً من خلاف العلماء فإن مراعاة الخلاف مطلوبة لأن المسألة فيها احتمالات قوية ومن لم يفعل فأخذ بقول من قال بسقوط الجمعة عمن صلى العيد فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>