للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٢١ - الأذان]

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان,

يقول السائل: ورد في الحديث أن أبا هريرة ?: (رأى رجلاً قد خرج من المسجد بعد الأذان فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) فما معنى قول أبي هريرة بأن الرجل قد عصى النبي صلى الله عليه وسلم بخروجه من المسجد بعد الأذان؟

الجواب: وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان منها ما ذكره السائل في سؤاله وهو ما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي الشعثاء قال: (كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) . وجاء في رواية أخرى عند مسلم عن أبي الشعثاء قال: (سمعت أبا هريرة ورأى رجلاً يجتاز المسجد خارجاً بعد الأذان فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) . وعن أبي هريرة ? قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق) رواه الطبراني في الأوسط وروايته محتج بها في الصحيح كما قال المنذري في الترغيب والترهيب ١/٢٦٠.

وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب ١/٢٢٤. وورد عن عثمان ? أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب ١/٢٢٤. وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع) رواه أبو داود في مراسيله، وقال الشيخ الألباني: صحيح لغيره. انظر صحيح الترغيب والترهيب ١/٢٢٤. فهذه الاحاديث تدل على النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجة وقد حمل بعض أهل العلم النهي في هذه الأحاديث على التحريم ويؤكد ذلك على حسب حملهم أن أبا هريرة اعتبر الخروج من المسجد بعد الأذان عصياناً لأبي القاسم صلى الله عليه وسلم. قال القرطبي المحدث: [قول أبي هريرة في الخارج من المسجد: (أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم) محمول على أنه حديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل ظاهر نسبته إليه في معرض الاحتجاج به وما كان يليق بواحد منهم للذي علم من دينهم وأمانتهم وضبطهم وبعدهم عن التدليس ومواقع الإيهام وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان فأطلق لفظ المعصية فإذا ثبت هذا استثمر منه أن من دخل المسجد لصلاة فرض فأذن مؤذن ذلك الوقت حرم عليها أن يخرج منه لغير ضرورة حتى يصلي فيه تلك الصلاة لأن ذلك المسجد تعين لتلك الصلاة أو لأنه إذا خرج قد يمنعه مانع من الرجوع إليه أو إلى غيره فتفوته الصلاة] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٢/٢٨١ ولكن أكثر أهل العلم يرون أن النهي في هذه الأحاديث محمول على الكراهة، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب هل يخرج من المسجد لعلة] ثم روى بسنده عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال: على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه وقد اغتسل) .

قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: [قوله باب هل يخرج من المسجد لعلة أي ضرورة وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة: (أنه رأى رجلاً خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة. فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماماً لمسجد آخر ومن في معناه] فتح الباري ٢/٢٦١. وقال الإمام الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي هريرة: [وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر أن يكون على غير وضوء أو أمر لا بد منه. ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال: يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة، قال أبو عيسى - الترمذي -: وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه] سنن الترمذي مع شرحه التحفة ١/٥١٨. وقال الإمام النووي: [يكره الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي إلا لعذر لحديث أبي الشعثاء قال: (كنا قعوداً مع أبي هريرة ? في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي ... ) ] المجموع ٢/١٧٩. وقال الإمام النووي في شرح حديث أبي هريرة: [فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر] شرح النووي على صحيح مسلم ٢/٢٩٠. وذهب إلى القول بكراهة الخروج من المسجد بعد الأذان الحنفية والمالكية والشافعية. وقال مالك: بلغني أن رجلاً قدم حاجاً وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة فقال له سعيد: لا تخرج فإنه بلغني أنه من خرج بعد الأذان خروجاً لا يرجع إليه أصابه أمر سوء. قال: فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة فقال: ما أراه إلا قد حبسني فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال: قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره قال ابن رشد: قول ابن المسيب بلغني معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يقال مثله بالرأي وهي عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي أذن لها وحضر وقتها.

قال أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصل وكان على طهارة وكذا إن كان قد صلى وحده إلا ما لا يعاد من الصلوات فلا يحل الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوي الرجوع. أهـ ملخصاً ومن الأعذار المبيحة أيضاً الخروج من المسجد بعد الأذان ما أحدث أهل زماننا في المساجد من البدع كرفع الصوت بقراءة قرآن أو ذكر لأنه يشوش على المتعبدين وكالتبليغ لغير حاجة إليه ... ويدل لذلك ما يأتي للمصنف في باب التثويب عن مجاهد قال كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فثوب رجل أي قال الصلاة خير من النوم في الظهر أو العصر فقال ابن عمر لمجاهد: اخرج بنا فإن هذه بدعة] المنهل العذب المورود ٤/٢١٨-٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>