للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٩ - ولاية الفقيه ليس لها أصلٌ شرعي

يقول السائل: ما المقصود بولاية الفقيه التي أثارت خلافاتٍ بين عددٍ من مراجع الشيعة، أفيدونا؟

الجواب: ولاية الفقيه عند من يقول بها من الشيعة هي: ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض. كما ورد في مصادرهم، ومن المعلوم أن الشيعة يعتقدون أن الإمامة الكبرى محصورة في الأئمة من نسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم اثنا عشر إماماً، آخرهم الإمام المهدي الذي اختفي في السرداب منذ أكثر من ألف ومائتي عام حين كان طفلاً، وهو محمد بن حسن العسكري الذي دخل السرداب وعمره تسع سنين وذلك سنة (٢٦٥ هـ) والذي ينتظر الشيعة الإمامية ظهوره. وبما أن الشيعة يعتقدون أن غيبة الإمام الثاني عشر قد تطول فلا بد من فقيهٍ جامعٍ للشروط يقوم مقام المهدي المنتظر كما قال الخميني: [قد مر على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر في طول هذه المدة المديدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟ يعمل الناس من خلالها ما يشاءون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؛ القوانين التي صدع بها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وجهد في نشرها، وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاما، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ هل ينبغي أن يخسر الإسلام بعد الغيبة الصغرى كل شيء] الحكومة الإسلامية ص٢٦. وفكرة ولاية الفقيه تطورت مع مرور الأيام فبدأت أولاً بالسفراء الأربعة الذين كانوا نواباً للإمام المهدي كما يزعمون فهم الواسطة بينه وبين الناس وهؤلاء السفراء الأربعة هم: عثمان بن سعيد العمري وكانت سفارته من سنة ٢٦٠ هـ حتى سنة ٢٦٥ هـ ثم محمد بن عثمان بن سعيد العمري وكانت سفارته من سنة ٢٦٥هـ وحتى ٣٠٥ هـ ثم الحسين بن روح النوبختي وكانت سفارته من سنة ٣٠٥ هـ وحتى سنة ٣٢٦هـ ثم علي بن محمد السمري

وكانت سفارته من سنة ٣٢٦هـ حتى سنة ٣٢٩هـ وبه انتهت مرحلة السفراء وانتهت مرحلة الغيبة الصغرى لمهديهم المنتظر وبعده بدأت مرحلة الغيبة الكبرى لمهدييهم المنتظر. انظر ولاية الفقيه وتطورها ص ١١-١٥. وفي هذه المرحلة كان محرماً على الشيعة تجاوز الولايات السبع للمهدي المنتظر، فهذه الولايات السبع كان يتوقف فعلها على وجود الإمام الغائب المنتظر، وهذا الأمر دفع بعض مراجع الشيعة إلى فتح باب الاجتهاد في المسائل المستجدة واعتمدوا على نص منسوب للمهدي المنتظر يقول فيه: [وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم] تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه ص ١٨. ثم تطور الاجتهاد الشيعي فأجاز تولي الفقيه لإقامة الحدود نيابة عن الإمام الغائب وأجازوا تولي دفع الزكاة والخمس نيابة عن الإمام الغائب، ثم تطورت فكرة ولاية الفقيه وتوسعت على يد مرجعين كبيرين من مراجع الشيعة وهما علي الكركي المتوفى سنة ٩٤٠هـ وأحمد النراقي المتوفى ١٢٤٥ هـ وهما من وضعا أسس ولاية الفقيه عن الإمام الغائب وخاصة الثاني منهما، وهو ما مهد للخوميني الإعلان عن ولاية الفقيه من خلال تطبيق الفكرة عملياً وتأسيس حكومة إسلامية بزعامة الفقيه المحقق لشروط الولاية عن الإمام الغائب. وقد نص دستور الجمهورية الإيرانية على ولاية الفقيه. يقول أحمد الكاتب: [من المعروف أن نظرية ولاية الفقيه ولدت قبل مائة وخمسين عاماً على يدي الشيخ أحمد النراقي صاحب كتاب: (عوائد الأيام) وطبقها الإمام الخميني لأول مرة في (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) . وكانت هذه النظرية قد شكلت تطوراً كبيراً في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الإمامية في ظل مقاطعتهم للأنظمة السياسية المختلفة في عصر غيبة (الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر) . وقد ولدت (المرجعية الدينية) للفقهاء، واكتسبت صبغة شرعية من نظرية (النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي) التي بدأت تتبلور وتتطور منذ أواسط القرن الخامس الهجري، حتى اكتملت على يدي الشيخ علي بن عبد العالي الكركي في القرن العاشر الهجري، عندما قام بمنح الشاه طهماسب بن اسماعيل الصفوي إجازة للحكم باسمه باعتباره يمثل النائب العام عن الإمام المهدي. وقد أثارت نظرية (النيابة العامة) عند ظهورها جدلاً واسعاً في صفوف الشيعة في القرون الوسطى وقسمتهم إلى (أصوليين) و (إخباريين) مثلما فعلت نظرية (ولاية الفقيه) التي أثارت معارضة شديدة من قبل كبار الفقهاء والمحققين كالشيخ مرتضى الأنصاري (توفي سنة ١٢٨١) والسيد أبو القاسم الخوئي (توفي سنة ١٤١٢) حيث قال الأول في كتابه: (المكاسب) : إن الروايات التي يستشهد بها المريدون لولاية الفقيه لا تبين إلا وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية والفتيا والقضاء، لا كونهم كالأنبياء والأئمة في كونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وإن الدليل على وجوب طاعة الفقهاء دونه خرط القتاد. أما السيد الخوئي فقد قال في كتاب (الاجتهاد والتقليد) : إن ما استدل به على الولاية المطلقة غير قابل للاعتماد عليه، ومن هنا قلنا بعدم ثبوت الولاية له إلا في مورد الفتوى والقضاء، وان الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند والدلالة. ولا يشك أحدٌ في ضعف الروايات التي يستند إليها القائلون بنظرية ولاية الفقيه، والمنسوبة إلى الإمام الغائب، وهم يعترفون بذلك، ولكنهم يتشبثون بها كأدلة مساعدة بعد تقريرهم لضرورة إقامة الحكومة الإسلامية في (عصر الغيبة) والتخلي عن نظرية التقية والانتظار للإمام الغائب. وقد شكل القول بنظرية ولاية الفقيه ثورة في الفكر السياسي الشيعي لأنه أدى بالفقهاء إلى التخلي عن شروط العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية التي كان يشترطها الشيعة في الإمام في القرون الأولى.] جريدة الحياة بتاريخ ٨/١٢/١٩٩٧. وبهذا يظهر أن قول الخميني بولاية الفقيه وتطبيقها عملياً اتباعاً لما أسسه النراقي قد أدى إلى التخلي عما كان يعتقده الشيعة في أئمتهم من شروط في القرون الأولى كالعصمة والنص من الإمام والسلالة العلوية الحسينية، [ولم يتوقف النراقي وهو يؤسس لشرعية (ولاية الفقيه الكبرى) التي تضاهي الإمامة العامة الكبرى، عند شروط: (العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية) التي أدت بالأجيال الشيعية الإمامية الأولى، وخاصة بعد الحيرة التي أعقبت وفاة الإمام الحسن العسكري دون ولد ظاهر، إلى القول بفرضية وجود (الإمام محمد بن الحسن العسكري) ثم أدت بهم إلى القول بنظرية (التقية والانتظار) التي كانت تحرم الثورة والإمامة والجهاد والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة وتبيح الخمس والزكاة والأنفال وما إلى ذلك في (عصر الغيبة) . وقام النراقي بإعطاء الفقهاء منصب (الإمامة الكبرى) ومسئولياتها العامة، وقال بصراحة: كلما كان للنبي والإمام فيه الولاية، وكان لهم، فللفقيه أيضا ذلك، إلا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما. وقال: إن كل فعلٍ متعلقٍ بأمور العباد في دينهم أو دنياهم ولا بد من الإتيان به ولا مفر منه، إما عقلاً أو عادةً من جهة توقف أمور العباد والمعاش لواحد أو جماعة عليه، وإناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعاً من جهة ورود أمر به أو إجماع أو نفي ضرر أو إضرار أو عسر أو حرج أو فساد على مسلم، أو دليل آخر ... أو ورود الإذن فيه من الشارع ولم يجعل وظيفة لمعينٍ واحدٍ أو جماعة ولا لغير معين، أي واحد لا بعينه، بل عُلمَ لا بدية الإتيان به أو الإذن فيه، ولم يُعلم المأمور ولا المأذون فيه ... فهو وظيفة الفقيه وله التصرف فيه والإتيان به. وقال: إنه مما لا شك فيه أن كل أمر كان كذلك لا بد وأن ينصب الشارع الرءوف الحكيم عليه والياً وقيّماً ومتولياً ... والمفروض عدم دليل على نصب معين أو واحد لا بعينه أو جماعة غير الفقيه، وأما الفقيه فقد ورد في حقه ما ورد من الأوصاف الجميلة والمزايا الجليلة وهي كافية في دلالتها على كونه منصوبا منه ... واستدل النراقي على جواز الولاية للفقهاء وحصرها فيهم بالأخبار والإجماع والضرورة والعقل، وقدم أولاً شطراً من الأخبار الواردة في حق العلماء من قبيل: (العلماء ورثة الأنبياء) و (اللهم ارحم خلفائي ... الذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنتي) وحديث الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا الذي ذكره الصدوق في (علل الشرائع) حول أهمية الإمامة (الرئاسة) وضرورتها، وأن الإمام هو القيّم والأمين والرئيس وولي الأمر. كما ذكر الأحاديث التي تؤكد على عدم ترك الله للأرض خالية إلا وفيها عالم يعرف الناس حلالهم وحرامهم ولئلا يلتبس عليهم أمورهم ... ] www.ansar.org/arabic/c والمقام لا يحتمل مزيداً من التفصيل. ولابد من التذكير بأن عدداً كبيراً من مراجع الشيعة يعارضون ولاية الفقيه ويعتبرونها غير شرعية ومنهم الإمام الشريعتمداري والطباطبائي القمي والسيد الخوئي ومحمد جواد مغنية ومحمد حسين فضل الله وغيرهم.

وخلاصة الأمر أن ولاية الفقيه أمرٌ محدث، بل بدعةٌ في الدين، قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} سورة الأنعام الآية١٤، وهذه الفكرة ما هي إلا ترسيخٌ وإحياءٌ لأسطورة السلطة الإلهية، والاستبداد المطلق باسم الدين، ودين الإسلام منها براء.

<<  <  ج: ص:  >  >>