للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٧٠ - هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر]

يقول السائل: كيف كان هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه عند انحباس الأمطار؟

الجواب: إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) . ولقد انحبس المطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كما تشير إلى ذلك الروايات الثابتة والتي سأذكر بعضها. وقد كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا انحبست الأمطار أن يستسقي للمسلمين والاستسقاء يكون بالصلاة المعروفة وهي صلاة الاستسقاء أو بالدعاء. وقد ثبت في صحيح البخاري أن المسلمين كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستستقي لهم عند انحباس الأمطار فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا اللهم اسقنا، قال أنس: والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئاً وما بيننا وبين سلع - اسم جبل بالمدينة المنورة - من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: والله ما رأينا الشمس سبتاً - أي اسبوعاً - ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبله قائماً. فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها. قال: فرفع رسول الله يديه ثم قال: اللهم حوالينا لا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية ومنابت الشجر. قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس) . ويتضح من هذا الحديث أنهم كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم وكان يجيبهم إلى ذلك وهذا هدي الصحابة من بعده.

قال الإمام البخاري: (باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) وقال الإمام البخاري: (باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم) وقد ذكر في هذا الباب حديث أنس السابق وأبلغ من ذلك أن المشركين اسشتفعوا بسول الله صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر ودعا لهم فنزل المطر عليهم روى ذلك البخاري وغيره. فينبغي على الائمة أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بل المفروض أن يبادروا إلى الدعوة إلى إقامة صلاة الاستسقاء وينبغي على الإمام أن يأمر المسلمين قبل الاستسقاء بجملة أمور منها: ١. أن يأمر الإمام الناس بترك المظالم والتوبة من المعاصي وأداء الحقوق حتى يكونوا أقرب إلى الإجابة فإن المعاصي سبب من أسباب القحط والجدب، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة الأعراف الآية ٩٦. ٢. ينبغي الإكثار من الدعاء والذكر والاستغفار بخضوع وتذلل يقول الله سبحانه وتعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) سورة نوح الآيات ١٠-١٢. وقال تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا) سورة هود الآية ٥٢.

وخير الدعاء هو الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي اله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن أبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم. ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) رواه أبو داود بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي. وغير ذلك من الأدعية الواردة عن رسول اله صلى الله عليه وسلم. وقد استحب بعض أهل العلم أن يكثر الناس من الصدقة والصوم قبل الاسستقاء ويستحب أن يخرج المسلم إلى المصلى متواضعاً متخشعاً متضرعاً لما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً حتى أتى المصلى) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، ولا يعتبر انتشار المعاصي بين الناس وقطيعتهم للرحم ومنعهم للزكاة سبباً موجباً لترك صلاة الاستسقاء. *****

<<  <  ج: ص:  >  >>