للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٩٨ - من البدع في الصلاة]

يقول السائل: ما حكم مسح الوجه وبعض الجسم باليدين بعد الإنتهاء من دعاء القنوت كما يفعله كثير من الناس؟

الجواب: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة الناس ولكن هذا الأمر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به لا سند له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح رضي الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء. قال الإمام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة إن فيها وجهين:

الأول: أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي.

والثاني: لا يسمح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من المحققين. المجموع ٣/٥٠١.

ثم ذكر كلام البيهقي التالي. وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال: [فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة. وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس. فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق] السنن الكبرى ٢/٢١٢. وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيراً فإنهم وقافون عند موارد النصوص فإن الخير كل الخير في الاتباع وإن الشر كل الشر في الابتداع. وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داوود في سننه بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) قال أبو داوود روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضاً. عن المعبود ٤/٢٥١. وقد علق الشيخ الألباني على هذه الرواية: [ (فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) فقال: ... وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ولم أجد لها حتى الآن شاهداً ... ثم قال: لا يصلح شاهداً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعاً: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) لأن فيه متهماً في الوضع - أي الكذب - وقال أبو زرعة: حديث منكر أخاف ألا يكون له أصل] السلسلة الصحيحة ٢/١٤٦. وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال: [سألت عبد الله بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه. قال: لم أجد له ثبتاً. أي مستنداً] . وورد عن العز بن عبد السلام سلطان العلماء أنه قال: [لا يمسح وجهه إلا جاهل] . وبمناسبة الحديث عن دعاء القنوت أذكر بعض الأمور منها: أولاً: ما نراه من بعض المصليين من المبالغة برفع أيديهم فوق رؤوسهم وأرى أن هذا الأمر فيه مبالغة واضحة وأن الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين عند الدعاء تدل على مد اليدين وبسطهما ولا تدل على هذا الرفع المبالغ فيه. قال الحافظ ابن حجر عند كلامه على حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه. قال الحافظ: [وهو معارض بالأحاديث الثابتة في الرفع في غير الاستسقاء ... إلى أن قال: وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه " ويؤديه أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه] فتح الباري ٣/١٧١. لذلك فإني أرى أن ما يفعله بعض الناس من المبالغة الشديدة في رفع اليدين وجعلهما فوق الرأس إنما هو من الغلو في الدين وقد نهينا عن ذلك.

والأمر الثاني الذي أود التنبيه عليه وأذكر به اخواننا أئمة المساجد وهو التطويل في دعاء القنوت وغيره من الأدعية والأذكار والأفضل هو الاقتصار على الأدعية والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن زاد على ذلك فلا بأس به بشرط ألا يكون الدعاء متكلفاً أو متضمناً مخالفة شرعية. قال الإمام النووي عند ذكره لآداب الدعاء [الخامس: أن لا يتكلف السجع وقد فسر به الاعتداء في الدعاء والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عليه الاعتداء] الأذكار ص٣٤٢. وبعض أئمة المساجد من أجل أن يحافظ على السجع يأتي بأمور غير مقبولة في الدعاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>