للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣٣ - الدفن]

يقول السائل: ما قولكم فيما يفعله بعض الناس حيث إن المقبرة عندهم عبارة عن بناء قائم على وجه الأرض أشبه ما تكون بغرفة فإذا مات الميت فتحوا باب الغرفة ووضعوا الميت على الأرض بدون دفن فإذا مات آخر فتحوا الغرفة ووضعوا الميت الآخر بجانبه وهكذا فهل هذه المقبرة معتبرة شرعاً؟ أفيدونا.

الجواب: الأصل الثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية والقولية أن الميت يدفن تحت التراب ولا يترك على وجه الأرض ولو كان في غرفة مغلقة كما في السؤال.

ودفن الميت فرض كفاية ومعنى الدفن أن يخفى الشيء في التراب ودفن الميت جعله تحت التراب وقد جاء في الحديث عن هشام بن عامر قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقلنا يا رسول الله: الحفر علينا لكل إنسان شديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، فقالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: قدموا أكثرهم قرآنا، وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وقال الشيخ الألباني إسناد الحديث صحيح كما قال الترمذي وهو على شرط الشيخين. أحكام الجنائز ص ١٤٣.

فهذا الحديث يدل على أن الميت يدفن تحت التراب ويدل على تعميق القبر، قال الشوكاني: [فيه دليل على مشروعية إعماق القبر وإحسانه وقد اختلف في حد الإعماق فقال الشافعي: قامة. وقال عمر بن عبد العزيز إلى السرة، وقال الإمام يحيى إلى الثدي وأقله ما يواري الميت ويمنع السبع] نيل الأوطار ٤/٨٩.

والمراد بقول الشافعي في حد الإعماق قامة أي قامة رجل معتدل فقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعمق قبره إلى قامة وبسطة. رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٣/٣٢٦ وانظر نيل الأوطار ٤/٨٩، الموسوعة الفقهية ٣٢/٢٤٦.

وجاء في الحديث عن رجل من الأنصار قال: (خرجنا في جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر ويقول: أوسع من قبل الرأس وأوسع من قبل الرجلين) رواه أبو داود والبيهقي وإسناده صحيح كما قال الإمام النووي في المجموع ٥/٢٨٦.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أحمد رحمه الله: يعمق القبر إلى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء كان الحسن وابن سيرين يستحبان أن يعمق القبر إلى الصدر. وقال سعيد: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر: أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره إلى السرة ولا يعمقوا فإن ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها. وذكر أبو الخطاب: أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبو داود. ولأن ابن عمر أوصى بذلك في قبره ولأنه أحرى ألا تناله السباع وأبعد على من ينبشه. والمنصوص عن أحمد: أن المستحب تعميقه إلى الصدر لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعمقوا) ليس فيه بيان لقدر التعميق ولم يصح عن ابن عمر أنه أوصى بذلك في قبره ولو صح عند أبي عبد الله لم يعده إلى غيره.

إذا ثبت هذا فإنه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر، وقد روى زيد بن أسلم قال: (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر. فقال: اصنعوا كذا، اصنعوا كذا، ثم قال: ما بي أن يكون يغني عنه شيئاً ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم) قال معمر: وبلغني أنه قال: (ولكنه أطيب لأنفس أهله) رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز] المغني ٢/٣٧١.

وبناء على ما تقدم فإن ترك الأموات في غرفة بدون دفن كما في السؤال هو خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وينبغي تخصيص قطعة أرض لتكون مقبرة كما توارثه المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>