للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨ - حكم الأوراق التي تذكر فيها الآيات القرآنية]

يقول السائل: كيف نتعامل مع الصحف والمجلات والنشرات والأوراق التي يذكر فيها آيات من القرآن الكريم أو أسماء الله الحسنى وخاصة أننا نرى الشوارع والطرقات قد امتلأت بها أثناء فترة الدعاية للانتخابات فما قولكم أفيدونا؟

الجواب: إن تعظيم شعائر الله فريضة من فرائض الله يقول الله تعالى {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية ٣٢. ويقول تعالى {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} سورة الحج الآية ٣٠.

قال الإمام القرطبي [ {ومن يعظم شعائر الله} الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم.... فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك ... ] تفسير القرطبي ١٢/٥٦. ولا شك أن الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى من شعائر الله التي يجب تعظيمها وقد ورد عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (عظموا القرآن) تفسير القرطبي ١/٢٩. وقال الإمام النووي: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] التبيان في آداب حملة القرآن ص ١٠٨. وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم التوراة ووضعها على الوسادة تكريماً لها كما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف - اسم واد بالمدينة - فأتاهم في بيت المدراس - هو البيت الذي يدرسون فيه - فقالوا يا أبا القاسم إن رجلاً منا زنى بامرأة فاحكم بينهم فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال بالتوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال آمنتُ بكِ وبمن أنزلك ثم قال ائتوني بأعلمكم فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل ٥/٩٤، وفي صحيح سنن أبي داود ٣/٨٤٣. قال أبو الطيب الأبادي: [ (ووضع التوراة عليها) : أي على الوسادة والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم وضع التوراة على الوسادة تكريماً لها , ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: آمنت بك وبمن أنزلك] عون المعبود شرح سنن أبي داود ١٢/٨٩. فإذا كان هذا تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للتوراة فلا شك أن المصحف أولى بالتكريم.

ومما يؤسف له ما نراه في أيامنا هذه من امتهان للآيات القرآنية وكذا الأواق التي فيها ذكر لله عز وجل حيث ترى كثيراً من الأوراق التي فيها ذكر الله تعالى وقد امتلأت بها الشوارع ويدوسها الناس بأقدامهم وكثير منها رمي في حاويات القمامة ويتعامل بعض الناس معها باستخفاف وامتهان وسأذكر بعض التصرفات المحرمة والمكروهة في هذا المجال والتي ينبغي للمسلم أن لا يفعلها: فمنها رمي أوراق من المصحف والأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم في الطرقات والشوارع مما يعرضها للامتهان. ومنها اتخاذ الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية كمفارش للطعام وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها لف السلع بالجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها الجلوس على الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها الصلاة على الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها استعمال الجرائد التي كتب فيها شيء من الآيات القرآنية وكذا الأوراق التي فيها ذكر لله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم وسيلة للتنظيف ومسح السيارات بها ومن باب أولى حرمة استعمالها في إزالة النجاسات. ومنها توسد المصحف أي اتخاذه وسادة وكذا الاتكاء عليه. ومنها وضع الكتب فوق المصحف الشريف. بل يجب أن يكون المصحف فوقها جميعاً. ومنها دخول المرحاض بالمصحف أو أية أوراق فيها ذكر الله عز وجل أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم. ومنها أن يمد الانسان رجليه باتجاه المصحف وكذا كتب العلم الشرعي. ومنها لا يجوز أن يكتب شيء من القرآن على الملابس ولا يجوز أن تطرز الملابس بالآيات القرآنية. ومنها لا يجوز كتابة آية من آيات القرآن الكريم كآية الكرسي على القطع الذهبية وخاصة تلك التي تستعملها النساء والأطفال. ومنها لا يجوز كتابة لفظ الجلالة الله أو لفظ محمد صلى الله عليه وسلم على القطع الذهبية وخاصة تلك التي تستعملها النساء والأطفال أيضاً. ومنها وضع المصحف الشريف مع الميت عند دفنه. وهكذا الحكم في كل أمر يؤدي إلى امتهان آية من القرآن الكريم أو اسم من أسماء الله أو حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد نص أهل العلم على وجوب احترام المصحف والأوراق التي كتبت فيها الآيات القرآنية وكذا ما كتب فيه ذكر الله عز وجل

قال الإمام النووي [أجمع العلماء على وجوب صيانة المصحف واحترامه فلو ألقاه والعياذ بالله في قاذورة كفر] المجموع ٢/٧٣ وقال الإمام النووي أيضاً: [قال القاضي حسين وغيره لا يجوز توسد المصحف ولا غيره من كتب العلم قال القاضي إلا أن يخاف عليه السرقة فيجوز وهذا الاستثناء فيه نظر والصواب منعه في المصحف وان خاف السرقة] المجموع ٢/٧٠

وقال الشيخ ابن حجر المكي الهيتمي: في جواب سؤال [هل يحرم دوس الورق أو الخرقة المكتوب عليها اسم الله واسم رسوله صلى الله عليه وسلم (فأجاب) بقوله: نعم يحرم دوس ذلك؛ لأن فيه إهانة له ... بل أولى وينبغي أن يلحق بذلك كل اسم معظم ... ] الفتاوى الفقهية الكبرى١/٣٥. وقال الشيخ المرداوي الحنبلي [أما دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك في تحريمه قطعاً، ولا يتوقف في هذا عاقل.] الإنصاف١/٩٤. وقال الشيخ ابن مفلح الحنبلي المقدسي: [ويكره توسد المصحف ذكره ابن تميم وذكره في الرعاية وقال بكر بن محمد كره أبو عبد الله أن يضع المصحف تحت رأسه فينام عليه قال القاضي: إنما كره ذلك لأن فيه ابتذالاً له ونقصاناً من حرمته فإنه يفعل به كما يفعل بالمتاع. واختار ابن حمدان التحريم وقطع به في المغني والشرح كما سيأتي في الفصل بعده, وكذا سائر كتب العلم إن كان فيها قرآن وإلا كره فقط وقال أحمد في رواية نعيم بن ناعم وسأله أيضع الرجل الكتب تحت رأسه؟ قال أي كتب؟ قلت كتب الحديث قال: إذا خاف أن تسرق فلا بأس وأما أن تتخذه وسادة فلا. وروى الخلال في الأخلاق عنه أنه كان في رحلته إلى الكوفة أو غيرها في بيت ليس فيه شيء وكان يضع تحت رأسه لبنة ويضع كتبه فوقها. وقال ابن عبد القوي في كتابه مجمع البحرين أنه يحرم الاتكاء على المصحف وعلى كتب الحديث وما فيه شيء من القرآن اتفاقا انتهى كلامه. ويقرب من ذلك مد الرجلين إلى شيء من ذلك وقال الحنفية يكره لما فيه من أسماء الله تعالى وإساءة الأدب قال أبو زكريا النووي رحمه الله أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته.] الآداب الشرعية ٢/٢٨٥-٢٨٦.

وأخيراً أنبه إلى جواز حرق أوراق المصحف التالف أو دفنها في أرض طيبة طاهرة أو تمزيقها بواسطة فرّامات الورق المعروفة وقد روى البخاري عن عثمان رضي الله عنه أنه بعد أن نسخ المصاحف: (أمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) . وروى أبو بكر بن أبي داود عن طاووس بإسناده: [أنه لم يكن يرى بأساً أن تحرق الكتب، وقال: إن الماء والنار خلق من خلق الله] وإسناده صحيح غاية المرام ٢/١٢٢.

وخلاصة الأمر أنه يجب تعظيم واحترام كل ما كتب فيه كلام الله عز وجل أو ذكر الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم

لأن في ذلك تعظيماً لشعائر الدين {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>