للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١ - فضائل الرباط في بيت المقدس وأكنافه]

يقول السائل: ما فضل المرابط في بيت المقدس وأكنافه، أفيدونا؟

الجواب: أذكر أولاً بعض ما ورد في الكتاب والسنة، من فضائل في بيت المقدس وفلسطين والشام عامة، وفضائل المسجد الأقصى المبارك خاصة، فإن في ذلك ذكرى للمؤمنين، وخاصة في هذه الأحوال الصعبة التي يمر بها بيت المقدس وأكنافه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي للمسلمين على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر واستدعائي للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه ... ] مناقب الشام وأهله ص٦٩. فمن النصوص الواردة في ذلك: قول الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الإسراء الآية١. وقوله تعالى {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} سورة الأنبياء الآية٧١. وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ} سورة سبأ الآية ١٨. وقوله تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} سورة الأنبياء الآية٨١. ومما يؤكد فضيلة بيت المقدس أنه قبلة المسلمين الأولى حيث استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على مدى ستة عشر شهراً حتى نزل قول الله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} سورة البقرة الآية ١٥٠. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل بيت المقدس وفلسطين والشام عامة وفضائل المسجد الأقصى المبارك خاصة منها: عن عمير بن هانئ أنه سمع معاوية رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال من أمتي، أمةٌ قائمةٌ بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك. قال عمير فقال مالك بن يخامر: قال معاذ وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام) رواه البخاري. وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشام) رواه الطبراني، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع. وعن عبد الله بن حوالة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستجندون أجناداً جنداً بالشام وجنداً بالعراق وجنداً باليمن، قال عبد الله فقمت فقلت: خر لي يا رسول الله، فقال: عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غُدره، فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله) قال العلامة الألباني: حديث صحيح. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشام أرض المحشر والمنشر) ، قال العلامة الألباني: حديث صحيح. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نورٌ ساطعٌ عُمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام) قال العلامة الألباني: حديث صحيح. وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الفجر ثم أقبل على القوم فقال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مُدِّنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا، فقال رجل: وفي العراق، فسكت ثم أعاد، قال الرجل: وفي عراقنا فسكت ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مُدِّنا وصاعنا اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم اجعل مع البركة بركة) قال العلامة الألباني: حديث صحيح. انظر فضائل الشام ودمشق للربعي تخريج العلامة الألباني. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الأقصى) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من النصوص. إذا تقرر هذا فإن الرباط في بيت المقدس وأكنافه فيه فضل عظيم، حيث إنه من أوكد الرباط في سبيل الله عز وجل، فقد ورد في الحديث عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، بل هو خيرٌ من صيام شهر وقيامه، ورباط شهرٍ خيرٌ من صيام الدهر.) رواه البخاري ومسلم. وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان) رواه مسلم. قال الإمام النووي: [هذه فضيلةٌ ظاهرةٌ للمرابط، وجريان عمله بعد موته فضيلةٌ مختصةٌ به، لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحاً في غير مسلم - يشير إلى حديث فضالة الآتي -: " كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة "] شرح النووي على صحيح مسلم ٥/٥٤. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن الفزع الأكبر وغدي عليه وريح برزقه من الجنة ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل) رواه الطبراني ورواته ثقات كما قال المنذري، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب. وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة ويُؤمَن من فتنة القبر) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عملٍ ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله ويجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة) قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رواة أحدهما ثقات، وقال العلامة الألباني حسن صحيح كما في صحيح الترغيب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات مرابطاً في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع الأكبر، وللمرابط في سبيل الله أجر من خلفه من ورائه.) قال المنذري: رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب. وغير ذلك من الأحاديث. ولا شك أن المرابطين في بيت المقدس وأكنافه إذا أخلصوا عملهم لله تعالى، فإنهم من الطائفة الظاهرة المقيمة على الحق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث، والذي يفهم منها أن الطائفة الظاهرة لا تكون في مكان واحد على مر الأيام والعصور، بل قد توجد في فترة من الزمان في مكان، وفي زمان آخر تكون في زمان آخر، قال الشيخ حمود التويجري: [وقد اختلف في محل هذه الطائفة فقال ابن بطال: [إنها تكون في بيت المقدس، كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (قيل: يا رسول الله أين هم؟ قال: (ببيت المقدس) ، وقال معاذ رضي الله عنه: هم بالشام. وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة ... فعلى هذا فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره، فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها ... فأما في زماننا وما قبله، فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض، كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم وتكثر في بعض الأماكن أحياناً، ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين] إتحاف الجماعة ١/٣٣٢-٣٣٤. وحديث أبي أمامة المشار إله هو عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء - شدة وضيق معيشة - حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) رواه الطبراني وعبد الله بن الإمام أحمد وقال الهيثمي: رجاله ثقات. مجمع الزوائد ٧/٢٨٨. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد أنهم ببيت المقدس، وأضاف بيت إلى المقدس، وللطبراني من حديث النهدي نحوه، وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني: (يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة) ] فتح الباري ١٣/٣٦١.

وخلاصة الأمر أن فضائل كثيرة وعظيمة ثابتة لبيت المقدس وأكنافه عامة، وللمسجد الأقصى المبارك خاصة، وأن الرباط في بيت المقدس وأكنافه له أجر عظيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة آل عمران الآية٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>