للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٣٧ - مصارف الزكاة]

يقول السائل: إنه يعمل في إحدى لجان الزكاة وإن كثيراً من الناس يراجعون لجنة الزكاة طالبين الأخذ من مال الزكاة وبعد دراسة أحوالهم يتبين أن بعضهم غير مستحقين للزكاة لأن لهم رواتب تكفيهم بل تزيد فما حكم أخذ هؤلاء من أموال الزكاة؟

الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآية ٦٠.

وقد أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا تصرف إلا في المصارف الثمانية المذكورة في الآية الكريمة ولا حق لأحد من الناس فيها سواهم ولهذا قال عمر بن الخطاب: [هذه لهؤلاء] .

وقد روي في الحديث عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته - وذكر حديثاً طويلاً - فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت في تلك الأجزاء أعطيتك حقك) رواه أبو داود والبيهقي والدارقطني وفي سنده ضعف.

وقد طعن بعض الناس في تقسيم النبي صلى الله عليه وسلم للزكاة وكانوا طامعين فيها مع أنهم ليسوا من أهلها فنعى الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَاءَاتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة الآيات ٥٨-٦٠.

إذا تقرر هذا فإن العلماء قد بينوا أصناف الذين لا يستحقون الزكاة ولا يجوز صرفها لهم وهم على وجه الإجمال: الأغنياء والأقوياء المتكسبون والمتفرغون للعبادة وأصول المزكي وفروعه وزوجته وآل النبي صلى الله عليه وسلم والكفار والملاحدة هذا بشكل عام وهناك غيرهم اختلف الفقهاء في إعطائهم وسأقتصر هنا على الحديث على القسمين الأولين ولعلي أفصل الكلام على بقيتهم في حلقات قادمة إن شاء الله.

أما الأغنياء فلا تحل لهم الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال لمعاذ رضي الله عنه في الحديث: (أعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح صححه الألباني وغيره انظر صحيح سنن أبي داود ١/٣٠٨.

وعن عبيد الله بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن الصدقة فصعد فيهما وصوب فقال: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) رواه أبو داوود والنسائي وهو حديث صحيح صححه الألباني وغيره. انظر صحيح سنن أبي داود ١/٣٠٧.

والغني الذي لا تحل له الزكاة هو من ملك نصاباً زائداً عن حاجته الأصلية وتحققت فيه شروط وجوب الزكاة وهذا أرجح أقوال العلماء في حد الغنى المانع لأخذ الزكاة حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء ومن ملك نصاباً وتحققت فيه الشروط الشرعية لوجوب الزكاة فعليه أداؤها فهو غني وغير فقير قال القرطبي عند ذكر اختلاف العلماء في حد الفقر: [وقال أبو حنيفة: من معه عشرون ديناراً أو مئتا درهم فلا يأخذ من الزكاة، فاعتبر النصاب لقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها في فقرائكم) وهذا واضح ورواه المغيرة عن مالك] تفسير القرطبي ٨/١٧١-١٧٢.

وأما القوي المكتسب فلا تحل له الزكاة والقوي المكتسب هو من كان صحيحاً في بدنه ويجد عملاً يكتسب منه ما يسد حاجته فهذا لا يعطى من الزكاة لأن الواجب عليه أن يعمل ويكسب ليكفي نفسه وعياله ولا يجوز أن يكون عاطلاً عن العمل باختياره ويمد يده ليأخذ من أموال الزكاة وهذا مذهب جمهور أهل العلم. انظر المجموع ٦/٢٢٨.

وعلى ذلك دلت الأدلة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) وهذا الحديث وإن كان قد ورد في ذو المرة السوي مطلقاً إلا أنه مقيد بالحديث الآخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب) وهو حديث صحيح كما سبق. قال الإمام النووي: [من يكسب كل يوم كفايته لا يجوز له أخذ الزكاة] روضة الطالبين ٢/٣١٠.

وقال الإمام البغوي بعد أن ذكر الحديث: [فيه دليل على أن القوي المكتسب الذي يغنيه كسبه لا يحل له الزكاة ولم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر القوة دون أن يضم إليه الكسب لأن الرجل قد يكون ظاهر القوة غير أنه أخرق لا كسب له فتحل له الزكاة وإذا رأى الإمام السائل جلداً قوياً شك في أمره وأنذره وأخبره بالأمر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإن زعم أنه لا كسب له أو له عيال لا يقوم كسبه بكفايتهم قبل منه وأعطاه] شرح السنة ٦/٨١-٨٢.

فإذا لم يجد الكسوب عملاً حلت له الزكاة قال الإمام النووي: [قال أصحابنا وإذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة] . المجموع ٦/١٩١.

وقال الشيخ القرضاوي: [والخلاصة أن القادر على الكسب الذي يحرم عليه الزكاة هو الذي تتوافر فيه الشروط التالية:

١. أن يجد العلم الذي يكتسب منه.

٢. أن يكون هذا العلم حلالاً شرعاً فإن العمل المحظور في الشرع بمنزلة المعدوم.

٣. أن يقدر عليه من غير مشقة شديدة فوق المحتمل عادةً.

٤. أن يكون ملائمأً لمثله ولائقاً بحاله ومركزه ومروؤته ومنزلته الإجتماعية.

٥. أن يكتسب منه قدر ما تتم به كفايته وكفاية من يعولهم.

ومعنى هذا أن كل قادر على الكسب مطلوب منه شرعاً أن يكفي نفسه بنفسه وأن المجتمع بعامة - وولي الأمر بخاصة - مطلوب منه أن يعينه على هذا الأمر الذي هو حق له وواجب عليه. فمن كان عاجزاً عن الكسب - لضعف ذاتي كالصغر والعته والشيخوخة والعاهة والمرض أو كان قادراً ولم يجد باباً حلالاً للكسب يليق بمثله أو وجد ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها - فقد حل له الأخذ من الزكاة ولا حرج عليه في دين الله] فقه الزكاة ٢/٥٥٩-٥٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>