للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٢ - تذكير الناسي في نهار رمضان]

يقول السائل: ما قولكم فيما يقوله بعض الناس إنهم إذا رأوا شخصاً يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسياً فلا يذكرونه باعتبار أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إليه؟ الجواب: إن ما قاله هؤلاء إنما هو فهم غير صحيح للحديث النبوي وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الناسي في رمضان إن أكل أو شرب فيلزمه إتمام الصوم ولا يقطعه وليس عليه قضاء ذلك اليوم حيث إن الله قد ساق له رزقاً فالأكل والشرب نسياناً أثناء الصوم لا يؤثر على الصوم لأن الناسي قد رفع عنه قلم التكليف لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت هذه الآية: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) ، قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا قال فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال قد فعلت (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قال قد فعلت (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا) قال قد فعلت) رواه مسلم.

ولما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه الطبراني والدارقطني والحاكم بألفاظ مختلفة وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.

وورد في رواية أخرى للحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) رواه الدارقطني وقال: إسناد صحيح وكلهم ثقات. سنن الدارقطني ٢/١٧٨.

ولما ورد في الحديث عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق رضي الله عنها: (أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ومعه ذو اليدين - صحابي - فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقاً - عظم عليه لحم - فقال: يا أم إسحاق أصيبي من هذا. فذكرتُ أني كنت صائمة فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك؟ قالت: كنتُ صائمةً فنسيت. فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك] رواه أحمد والطبراني في الكبير كما قال الهيثمي.

وغير ذلك في الأدلة.

وأما قول بعض الناس بعدم تذكير الناسي في نهار رمضان بحجة أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إلى الناسي فغير صحيح لما يلي:

أولاً: لأن الأكل أو الشراب في نهار رمضان محرمٌ شرعاً ومنكرٌ يجب على من رآه أن ينكره وإن كان الناسي معذوراً عند الله سبحانه وتعالى لما سبق من الأدلة. فتذكيره بالصيام أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر وهو الأكل في نهار رمضان.

ثانياً: إن ترك الناسي مستمراً في أكله وشرابه جهاراً وعدم تذكيره بالصيام فيه فتح باب شر على الناس فيجترئون على المجاهرة بالفطر في رمضان.

ثالثاً: إن تذكير الناسي واجب لأنه داخل في باب التعاون على البر والتقوى لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) سورة المائدة الآية ٢.

رابعاً: يمكن أن تقاس هذه المسألة وهي تذكير الناسي في الصيام على تذكير الناسي في الصلاة فقد شرع التسبيح في الصلاة لتذكير الإمام إذا سها في صلاته. فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم ... فلما سلَّم قيل له يا رسول الله: أحدث في الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلَّم فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لنبأتكم به ولكن إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين) رواه البخاري ومسلم

ومن المستظرفات في هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني مما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار: أن إنساناً جاء إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال أصبحت صائماً فنسيت فطعمت , قال لا بأس. قال: ثم دخلت على إنسان فنسيت وطعمت وشربت , قال. لا بأس، الله أطعمك وسقاك. ثم قال: دخلت على آخر فنسيت فطعمت , فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعود الصيام. فتح الباري ٤/٢٠١.

وخلاصة الأمر أنه يجب تذكير الناسي في نهار رمضان ولا يصح القول بعدم تذكيره بحجة أن ذلك الطعام والشراب رزق ساقه الله إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>