للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣١ - المفطرات المعتبرة]

يقول السائل: هل التبرع بالدم يفطر الصائم؟

الجواب: التبرع بالدم لايفطر الصائم على الراجح من أقوال أهل العلم ولو كثرت كمية الدم المتبرع بها كوحدة دم واحدة أو اثنتين كما هو معمول به طبيا. ومما يدل على أن التبرع بالدم لا يفطر الصائم الأحاديث الواردة في جواز الحجامة للصائم فهي بعمومها تشمل التبرع بالدم فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم) .

وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم صائم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث صحيح. وروى الإمام البخاري بإسناده أن ثابتاً البناني قال: [سئل أنس بن مالك رضي الله عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال: لا، إلا من أجل الضعف] .

وورد في رواية في الصحيح أن ذلك كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصيام والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه ولم يحرمها] رواه أحمد وأبو داود وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر. فتح الباري ٥/٨١.

وأما ما ورد في الحديث الصحيح عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة والحاكم وغيرهم.

فهذا الحديث على الراجح من أقوال أهل العلم أنه منسوخ بحديث ابن عباس وما في معناه من الأحاديث. قال الحافظ ابن عبد البر: [والقول عندي في هذه الأحاديث أن حديث ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائماً محرماً) . ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) لأن في حديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ عام الفتح على رجل يحتجم لثماني عشر ليلة خلت من رمضان فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم) فابن عباس شهد معه حجة الوداع وشهد حجامته يومئذ محرم صائم فإذا كانت حجامته عليه السلام عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان لأنه توفي في ربيع الأول صلى الله عليه وسلم وإنما وجه النظر والقياس في ذلك بأن الأحاديث متعارضة متدافعة في إفساد صوم من احتجم فأقل أحوالها أن يسقط الاحتجاج بها والأصل أن الصائم لا يقضى بأنه مفطر إذا سلم من الأكل والشرب والجماع إلا بسنة لا معارض له. ووجه آخر من القياس وهو ما قاله ابن عباس: [الفطر مما دخل لا مما خرج] الاستذكار ١٠/١٢٥-١٢٦.

وممن قال بنسخ حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) الإمام الشافعي والخطابي والبيهقي وابن حزم الظاهري حيث قال فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر: [صح حديث: (أفطر الحاجم والمحجوم) بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد: (أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم) وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجماً أو محجوماً] فتح الباري ٥/٨١. ورجح الشيخ الألباني أن حديث الإفطار بالحجامة منسوخ فقال: [فائدة: حديث أنس هذا صريح في نسخ الأحاديث المتقدمة (أفطر الحاجم والمحجوم) الإرواء ٤/٧٣.

ثم قال الشيخ الألباني بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري قال: [رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم والحجامة] . [قلت: فالحديث بهذه الطرق صحيح لا شك فيه وهو نص في النسخ فوجب الأخذ به كما سبق عن ابن حزم رحمه الله] الإرواء ٤/٧٥ وانظر أيضاً الإرواء ٤/٨٠.

وخلاصة الأمر أن التبرع بالدم لا يفطر الصائم وكذلك سحب الدم للفحص لا يفطر الصائم وكذلك الحجامة لا تفطر الصائم. ولكن ينبغي مراعاة أن لا تؤدي هذه الأمور إلى إضعاف الصائم ومن ثم عجزه عن الصيام فتنتهي به للإفطار بتناول الطعام أو الشراب أو الدواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>