للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٠ - تفرق المسلمين في رؤية الهلال]

يقول السائل: ما قولكم فيمن ابتدأ صيام رمضان هذا العام يوم الأربعاء اتباعاً لما أعلن في اليمن من ثبوت رؤية الهلال مساء الثلاثاء؟

الجواب: إن قضية بداية شهر الصوم ونهايته تشكل مثاراً للنزاع والاختلاف في كل عام تقريباً والمسألة محل اختلاف بين أهل العلم منذ عهد بعيد فمن العلماء من يرى أن لا عبرة باختلاف المطالع وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد والرأي الآخر في المسالة وهو أن لكل بلد رؤيتهم قال به جماعة من أهل العلم والمسألة مسألة اجتهادية محتملة واستدل كل فريق بأدلة من الكتاب والسنة والقياس ولم يكن لهذا الاختلاف بينهم أثر سيىء على الأمة تخشى عاقبته، لحسن قصدهم واحترام كل مجتهد منهم اجتهاد الآخر.

وإن كنت أعتقد رجحان القول الأول بعد النظر في أدلته ولكن هذا القول وهو عدم اعتبار اختلاف المطالع رأي نظري لم يجد طريقه إلى التطبيق العملي في تاريخ المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر لعدم توفر وسائل الاتصال التي تربط أنحاء الدولة الإسلامية بعضها مع بعض ومعلوم أن وسائل الاتصال حديثة العهد.

إذا تقرر هذا فأقول إن الأمل كبير أن تتوحد الأمة الإسلامية تحت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله وأن تلتزم بشرع الله كاملاً.

ومن ضمن ذلك بداية الصوم ونايته ولكن إلى أن يتحقق هذا الأمل المنشود أرى أن على مسلمي كل بلد أن يلتزموا بالصوم جميعا بناءً على ما تعلنه الجهة المخولة في كل بلد كالقضاء الشرعي أو الإفتاء أو المراكز الإسلامية.

ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحّون) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح.

قال الإمام الترمذي: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] .

إن المحافظة على وحدة المسلمين الجزئية في البلد الواحد مطلوبة ويجب العمل لها إلى أن تتحقق وحدة المسلمين الكلية أقول هذا ونحن قد وجدنا تمزق هذه الوحدة في البلد الواحد بل في الأسرة الواحدة فبعض الناس صام يوم الأربعاء والأكثر صاموا يوم الخميس وقلة صامت يوم الجمعة فهل هذا مقبول في شرع الله أن تكون بداية رمضان في ثلاثة أيام وماذا سنصنع في العيد، هل سيكون عيد الفطر ثلاثة أعياد وهل ستقام صلاة العيد على مدى ثلاثة أيام؟

ويزعم الذين صاموا يوم الأربعاء أن رأيهم هو الصواب لأنهم أخذوا بالحديث النبوي: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) متفق عليه، وعلى الناس أن يتبعوا ذلك.

ولكن أقول لهم ما هي نتيجة صومكم يوم الأربعاء اتباعاً لليمن؟ النتيجة هي تفرق الأسرة الواحدة في الصيام وتفرق البلدة الواحدة!! ثم هل تتحقق وحدة المسلمين إن صاموا في يوم واحد وأفطروا في يوم واحد مع هذا التمزق السياسي الموجود!!؟

إن الحديث عن وحدة المسلمين في الصيام وفي العبادة في ظل الواقع السياسي الممزق للأمة الإسلامية ما هو إلا ترف فكري وقصور في الهمة وتعامي عن مواجهة الحقيقة والواقع فلو فرضنا جدلاً أن جميع دول مسلمي اليوم صامت في يوم واحد فهل توحدت الأمة؟ الجواب بالتأكيد لا.

إن وحدة الأمة الإسلامية أعمق من وحدتهم في الصيام والعيد وإن وحدة المسلمين الحقيقية تكون بتحكيم شرع الله تعالى في جميع شؤونهم!

إن الذين صاموا يوم الأربعاء لم يتعلموا الدرس مما حصل في رمضان سنة ١٤١٣ هـ عندما اختلف المسلمون في نهاية رمضان ولم يستخلصوا العبر مما حدث حينذاك.

السؤال الآن ما هو المخرج من هذا الخلاف والنزاع في بداية رمضان ونهايته فالذين يقولون نصوم مع أول بلد يعلن الصوم، ليس لديهم السلطان ليلتزم الناس بقولهم فالخلاف سيستمر ولن ينقطع.

وأعتقد أنه يسع المسلمين اليوم ما وسع المسلمين خلال تاريخهم الطويل وحين كانت لهم دولة واحدة فما كانوا يصومون في يوم واحد وما كان عيدهم واحداً.

وبناءً على ما تقدم أرى أن الحل الصحيح لهذه القضية هو الالتزام بما تعلنه الجهة المخولة في كل بلد كالقاضي الشرعي أو دار الإفتاء فيصوم أهل القطر الواحد جمعياً ويفطرون جميعاً وإذا أطعنا هؤلاء القضاة والمفتين في هذا الأمر فإنما نطيعهم في المعروف بغض النظر عمن عينهم فحكم الحاكم الشرعي في مثل هذه المسألة يقطع النزاع ويرفع الخلاف.

ومعلوم أن جميع المسلمين في هذه البلاد يرجعون إلى القضاء الشرعي في قضاياهم المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث وغيرها فيقبلون قولهم فلم لا يقبلون قولهم في هذه المسألة؟

كما وإني لأستغرب لم لا تثار هذه القضية عند بداية شهر ذي الحجة الذي ترتبط به فريضة الحج!! ولا فرق بين هلال رمضان وبين هلال ذي الحجة!! ولماذا يقبل جميع المسلمين ما يقرره مجلس القضاء الأعلى في السعودية؟!! ولا نسمع أحداً من الناس يدعي خلاف ذلك فيقف في عرفات حسب رؤيته!!

كما وأود أن أبين أنه ينبغي الاستئناس بما يقرره علم الفلك وإن كان الأصل هو رؤية العين المجردة ولكن أصول الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة لا تمنع أن نستعين بعلم الفلك وخاصة أنه علم متقدم ومتطور وعلم الفلك ليس مجرد حسابات وإنما هو رؤية ولكن بالمراصد والآلات فلا مانع شرعاً من الاستفادة من التقدم العلمي في هذا المجال وبالذات في حالة النفي أي إذا نفى علم الفلك احتمال رؤية الهلال بشكل قطعي فينبغى حينئذ عدم قبول ادعاء الرؤية وهذا هو ما حصل في هذا العام فإن علم الفلك نفى احتمال رؤية الهلال مساء الثلاثاء وأن الهلال لم يكن قد تولد لذا فإني أعتقد أن إعلان اليمن عن ثبوت الرؤية ما هو إلا قرار سياسي ولم يكن القرار بناءً على رؤية حقيقية للهلال لاستحالة ذلك كلياً، وأعتقد أن بداية الصوم الصحيحة كانت يوم الخميس.

وأخيراً أقول إن على المنادين بوحدة المسلمين في الصوم أن يكفوا عن هذه الدعوى لما فيها من تفريق للمسلمين في البلد الواحد وأن يسعوا سعياً حقيقياً إلى الوحدة الحقيقية للمسلمين لا مجرد كلام وتنظير فلسفي وعليهم أن يتركوا قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في دول مسلمي اليوم وإن الذي يكفل وحدة المسلمين الحقيقية هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونهم وليس مجرد اتفاقهم على الصيام والعيد في يوم واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>