للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤١ - المشقة المبيحة للفطر]

يقول السائل: ما هي المشقة التي تبيح الفطر في رمضان؟

الجواب: يظن بعض الناس أن اشتغالهم بالأعمال التي فيها شيء من المشقة يبيح لهم الفطر في رمضان كالخباز الذي يقف أمام بيت النار طوال النهار والحداد والحجار ولا بد من بيان متى يجوز الفطر في رمضان بسب المشقة فأقول:

إن الشريعة الإسلامية جاءت برفع الحرج ودفع المشقة عن الناس بل إن هذا أصل من أصول الشريعة الإسلامية وقد قامت الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على اعتبار هذا الأصل يقول الله سبحانه وتعالى: (ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة الآية ٦.

وقال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) سورة الحج الآية ٧٨.

وقال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) سورة البقرة الآية ١٨٥.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وبشروا) رواه البخاري.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما لمّا بعثهما إلى اليمن:

(يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) رواه البخاري.

وقال صل الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم، وغير ذلك من النصوص الشرعية.

ومن خلال هذه النصوص نرى أن الشريعة الإسلامية شريعة يسر وسهولة رفعت الحرج ودفعت المشقة عن الناس وليس معنى هذا أن يتحلل الناس من الأحكام الشرعية لأدنى مشقة تلحق بهم فإنه لا يكاد عمل في الدنيا يخلو من نوع من المشقة وقد جعل العلماء المشقة على نوعين:

١. مشقة معتادة يتحملها الناس عادة ولا تخلو منها التكاليف الشرعية كالوضوء بالماء البارد وكالصوم في اليوم الحارّ والحج في أشهر الصيف وغيرها فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات ولا في تخفيفها كما قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام ٢/٧.

٢. ومشقة غير معتادة لا يستطيع الناس أن يداوموا عليها باستمرار كالوصال في الصوم وقيام الليل كله باستمرار ونحو ذلك.

فهذه المشاق لا يجوز شرعاً للمكلف أن يجلبها على نفسه فيقع في الحرج والمشقة وإن حصلت في التكاليف الشرعية فيجوز حينئذ الأخذ بالرخصة الشرعية.

وبناءً على ما تقدم أقول لا يجوز للإنسان أن يفطر في رمضان إلا إذا لحقه أذى شديد بسبب الصوم فالمريض الذي منعه الأطباء من الصوم لأن الصوم يزيد المرض أو يؤخر الشفاء يجوز له الفطر وأما أصحاب المهن كالنجار والحداد والخباز والحجار فعليهم أن يصوموا ولا يجوز لهم الفطر لأن هؤلاء قد اعتادوا على مهنتهم وصارت حياتهم منسجمة تماماً مع أعمالهم فالخباز الذي يقف أمام بيت النار يومياً صار ذلك بالنسبة له شيء عادي فلا يجوز له أن يفطر.

ومن المعلوم أن صيام رمضان فرض لا يجوز للمكلف تركه إلا لعذر شرعي والذين يدعون أنهم يعملون في أشغال شاقة بإمكانهم أن يأخذوا إجازة من عملهم في شهر رمضان أو أن يبحثوا عن أعمال أخرى لا مشقة شديدة فيها فإن لم يتيسر لهم ذلك واضطروا للعمل كما يضطر الإنسان إلى أكل الميتة فإن عليهم أن يصوموا فإذا شعروا بالحرج والضيق من الصوم أفطروا ثم أمسكوا بقية يومهم وعليهم القضاء فيما بعد.

قال الله جل جلاله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق الآيتان ٢-٣.

?????

<<  <  ج: ص:  >  >>