للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - الإحرام من التنعيم في العمرة]

يقول السائل: إنه يريد أن يعتمر في رمضان القادم إن شاء الله تعالى، ويرغب أن يعتمر عن أمه المتوفية بعد الفراغ من عمرته وذلك بأن يحرم من التنعيم، وقد سمع أن العمرة من التنعيم لا تصح، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟

الجواب: العمرة شعيرة من شعائر الله وللعمرة فضل عظيم فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجة وابن حبان وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة ٢ / ١٤٩. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة) . رواه النسائي والترمذي وغيرهما وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥. وورد زيادة فضل للعمرة في شهر رمضان فقد روى الإمام البخاري بسنده عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجي معنا، قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه - لزوجها وابنها- وترك ناضحاً ننضح عليه قال: (فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة) . وفي رواية عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة) .

وعن ابن عباس قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله وإنها سألتني الحج معك قالت أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت أحجني على جملك فلان، فقلت ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسل: أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معي يعني عمرة في رمضان) رواه أبو داود وغيره وقال الألباني حسن صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود ١/ ٣٧٤. وقال الإمام الترمذي: (وقال أحمد وإسحق قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة قال إسحق معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ {قل هو الله أحد} فقد قرأ ثلث القرآن) سنن الترمذي ٣/٢٧٦-٢٧٧، وقال الإمام النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن عمرة فيه) أي في رمضان (تعدل حجة) ، وفي الرواية الأخرى: (تقضي حجة) أي تقوم مقامها في الثواب، لا أنها تعدلها في كل شيء، فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة. شرح النووي على صحيح مسلم ٣/٣٨٥. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (قال ابن خزيمة: في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها، لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر... فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض , للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض. ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن. وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح، وهو فضل من الله ونعمة , فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد.) فتح الباري ٣/٧٦٢-٧٦٣.

وتصح النيابة في العمرة عن الميت كما تصح في الحج، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: (يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: فحجي عنه) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر) رواه أبو داود والترمذي، وقال الإمام الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره] سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي ٣/١٢٧.

إذا تقرر هذا فإن العمرة من التنعيم – مسجد عائشة رضي الله عنها - جائزة على الراجح من أقوال أهل العلم للمكي وللآفاقي – وهو من أتى مكة من غير أهلها – وبه قال جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم منهم عائشة وعلي وابن عباس وأنس بن مالك وأم الدرداء وجابر بن عبد الله وابن عمر وعبد الله بن الزبير، وقال به من التابعين عكرمة والقاسم بن محمد وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاووس وهو قول جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم، كما في نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم، عن الإنترنت. قال الإمام مالك: [فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك مجزىء عنه إن شاء الله، ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما هو أبعد من التنعيم] الموطأ ١/٢٨٢. وقال الإمام الشافعي: [ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل، والأفضل أن يحرم من الجعرانة أو التنعيم] الأم ٢/١٣٣.

وقال عطاء: [من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتاً - ميقاتاً – من مواقيت الحج] فتح الباري ٣/٦٠٦. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [مسألة: وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل وإذا أرادوا الحج فمن مكة، أهل مكة ومن كان بها سواء كان مقيماً بها أو غير مقيم، لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له، وكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافاً، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يعمِّر عائشة من التنعيم] المغني ٣/٢٤٦. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل، وأدناه من التنعيم، قال: وقال القاضي: يستحب الإحرام من الجعرانة، فإن فاته ذلك أحرم من التنعيم، فإن فاته فمن الحديبية، وكذلك ذكر ابن عقيل، إلا أنه لم يذكر التنعيم هنا، وعمدة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة واعتمر عمرة الحديبية، وأمر عائشة أن تعتمر من التنعيم فخصت هذه بالفضل وكان أفضل هذه المواقيت، قال: وقال أبو الخطاب: الأفضل أن يحرم من التنعيم] شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، عن الإنترنت.

ومما يدل على جواز العمرة من التنعيم ما يلي: ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان معه هدى فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. فقدمت معه مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك، وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة. ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق إلى التنعيم فاعتمرت فقال: هذه مكان عمرتك) . وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم ... ) رواه مالك في الموطأ. وسئل عطاء عن عمرة التنعيم فقال: هي تامة ومجزئة) مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ٢٦/٢٦٦. وغير ذلك من الأدلة تجدها مفصلة في نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم.

وخلاصة الأمر أن العمرة لها فضل عظيم وخاصة إذا كانت في رمضان، وتصح العمرة عن الميت، والعمرة من التنعيم – مسجد عائشة رضي الله عنها - جائزة على الراجح من أقوال أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>