للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩ - الأضحية عن الميت]

يقول السائل: هل يجوز لي أن أذبح أضحية وأجعلها عن والدي المتوفى؟

الجواب: نعم يجوز للابن أن يضحي عن أبيه الميت على الراجح من أقوال أهل العلم ويصل ثوابها إلى أبيه الميت بإذن الله وهذا مذهب الحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيتمة ومن قبله وأبو داود صاحب السنن حيث قال: [باب الأضحية عن الميت ثم ذكر بإسناده عن حنش قال: رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكشبين فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه، وكان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم] . وورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الكبش فأضجعه وقال: بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد ثم ضحّى به صلى الله عليه وسلم) . رواه أبو داود وقال الشخ الألباني حديث حسن. وقول بعض أهل العلم الذي رخص في الأضحية عن الأموات مطابق للأدلة ومن منعها ليس فيه حجة فلا يقبل كلامه إلا بدليل أقوى منه ولا دليل عليه. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وعن نفسه وآل بيته ولا يخفى أن أمته صلى الله عليه وسلم ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ كان كثير منهم موجوداً زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكثير منهم توفوا في عهده صلى الله عليه وسلم فالأموات والأحياء كلهم من أمته صلى الله عليه وسلم دخلوا في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم والكبش الواحد كما كان للأحياء من أمته كذلك للأموات من أمته صلى الله عليه وسلم ولا تفرقة. عون المعبود ٧/٣٤٤.

ويؤيد ذلك أن أكثر أهل العلم على أن الميت ينتفع بسعي الحي وقد احتجوا على ذلك بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) سورة الحشر الآية ١٠. فأثنى الله سبحانه وتعالى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء. ومثل ذلك ما ثبت من أحاديث صحيحة في الدعاء والاستغفار للميت في صلاة الجنازة وبعد الدفن منها حديث عوف بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت منه دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وكرم نزله ووسّع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعاذه من عذاب القبر ومن عذاب النار) رواه مسلم.

وثبت في الصحيح أن الميت ينتفع بالصدقة عنه كما ورد في حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها غن تصدقت عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقة عنها) رواه البخاري. وثبت في أحاديث أخرى انتفاع الميت بالحج عنه وبالصوم عنه وبقضاء النذر عنه والأضحية عن الميت مثل ذلك. قال بعض أهل العلم: [إن النصوص تتظاهر على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه وهذا محض القياس فإن الثواب حق للعامل فإذا هبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبته ماله في حياته وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية ونبّه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية وأخبر بوصول الحج المركب من المالية والبدنية] أحكام الذبائح ص ١٥٣.

وخلاصة الأمر أن الأضحية عن الميت جائزة وينتفع بثوابها الميت لأن الأضحية عن الميت تعتبر من باب الصدقة وهي جائزة عنه بالنص كما في حديث ابن عباس المتقدم. ****

<<  <  ج: ص:  >  >>