للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٦ - حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج)]

يقول السائل: ما صحة الحديث الوارد في أن (أفضل العبادة انتظار الفرج) أفيدونا؟

الجواب: روى الإمام الترمذي في سننه بإسناده [عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ? (سلوا الله من فضله فإن الله عز وجل يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج? قال أبو عيسى – أي الترمذي - هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث وقد خولف في روايته وحماد بن واقد هذا هو الصفار ليس بالحافظ وهو عندنا شيخ بصري.] سنن الترمذي.

وقال العلامة الألباني عن هذا الحديث: [ضعيف جداً، رواه الترمذي (٤ / ٢٧٩) وابن أبي الدنيا في " القناعة والتعفف " (ج ١ ورقة١٠٦ / ١ من مجموع الظاهرية ٩٠)

وعبد الغني المقدسي في " الترغيب في الدعاء " (٨٩ / ٢) من طريق حماد بن واقد قال: سمعت إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص عن ابن مسعود مرفوعاً، وقال الترمذي: هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وحماد ليس بالحافظ، وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح. قلت – الألباني -: وحكيم بن جبير أشد ضعفاً من ابن واقد فقد اتهمه الجوزجاني بالكذب وإذا كان الأصح أن الحديث حديثه فهو حديث ضعيف جداً. والشطر الأخير من الحديث رواه البزار والبيهقي في " الشعب " والقضاعي من حديث أنس، وقال الهيثمي في " المجمع " (١٨ / ١٤٧) بعد أن عزاه للأول: وفيه من لم أعرفه] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١ / ٤٩٩-٥٠٠. وورد الحديث برواية أخرى وهي (انتظار الفرج بالصبر عبادة) ولكنه حديث موضوع، كما قال العلامة الألباني في سلسلة الضعيفة والموضوعة ٤ / ٧٣.

وورد بلفظ آخر (انتظار الفرج من الله عبادة، ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل) وهذا اللفظ ضعيف جداً كما قال العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة ٤ / ٧٥.

إذا تقرر أن الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا شك أن صبر المسلم على البلاء وانتظاره كشفه من الأمور المطلوبة شرعاً لأن [ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بترك الشكاية إلى غيره تعالى وكونه أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء] كما قال العلامة العيني.

ويقول الشيخ عائض القرني حفظه الله ورعاه [أفضل العبادة انتظار الفرج لأن فيه ثقة بالباي، وحسن ظن بالخالق، وقوة رجاء بالحق، فانتظار الفرج انتصار على اليأس، {إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون} ، وقهر للقنوط، قال {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} ، وفيه تصديق للخبر {إن مع العسر يسرا} ، وتسليم للوعد، إن الفرج بعد الكرب، واطمئنان لسنة الله: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} وتطلع إلى لطفه ورحمته {إن رحمت الله قريب من المحسنين} وركون إلى كفايته {فسيكفيكهم الله} ، واعتماد على رعايته وولايته {الله ولي الذين آمنوا} . انتظار الفرج: ترقب نظرة الرحمة من الرحمن، ونفحة اللطف من الديان، وغوث الملهوف من المنان. انتظار الفرج: الصبر حتى يكشف الرب الكرب، ليس لها من دون الله كاشفة. وحبس المضطر أنفاسه حتى يجيبه ربه {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} . انتظار الفرج: طلب المدد من الأحد، والصبر والجلد حتى يغيث الصمد. أهـ. حسبنأ الله ونعم الوكيل، {وكفى بربك هاديا ونصيرا} ... ] كتاب حدائق ذات بهجة.

ويؤيد ما تقدم ما ورد في الحديث الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) رواه الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ٥ / ٤٩٦.

قال الشيخ ابن رجب الحنبلي: [ ... وقوله صلى الله عليه وسلم (وإن الفرج مع الكرب) وهذا يشهد له قوله عز وجل: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) خرجه الإمام أحمد، وخرجه ابنه عبد الله في حديث طويل، وفيه: (علم الله يوم الغيث أنه ليشرف عليكم أذلين قنطين، فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قرب) ، والمعنى: أنه سبحانه يعجب من قنوط عباده عند احتباس القطر عنهم وقنوطهم ويأسهم من الرحمة، وقد اقترب وقت فرجه ورحمته لعباده، بإنزال الغيث عليهم، وتغيره لحالهم وهم لا يشعرون. وقال تعالى: {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين} ، وقال تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} ، وقال تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} ، وقال حاكيا عن يعقوب أنه قال لبنيه: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله} ، ثم قص قصة اجتماعهم عقيب ذلك. وكم قص سبحانه من قصص تفريج كربات أنبيائه عند تناهي الكرب كإنجاء نوح ومن معه في الفلك، وإنجاء إبراهيم من النار، وفدائه لولده الذي أمر بذبحه، وإنجاء موسى وقومه من اليم، وإغراق عدوهم، وقصة أيوب ويونس، وقصص محمد صلى الله عليه وسلم مع أعدائه، وإنجائه منهم، كقصته في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، وغير ذلك.] جامع العلوم والحكم ص ٢٤٩-٢٥٠.

وخلاصة الأمر حديث (أفضل العبادة انتظار الفرج) غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإن انتظار الفرج من العبادة إذا كان وفق ما قرره أهل العلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>