للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٦ - حكم دفع رسوم الخدمات للمجالس المحلية والبلدية]

يقول السائل: في بلدتنا لا يدفع كثير من السكان رسوم الخدمات التي يقدمها المجلس المحلي كجمع النفايات ونحوها، مما أدى إلى تراكم النفايات في الشوارع وصارت تشكل مكرهة صحية، فما الحكم في ذلك، أفيدونا؟ الجواب: إن ما تقوم به البلديات والمجالس المحلية من أعمال خدمية يصب في الصالح العام للسكان، ولا شك أن من واجب جميع سكان البلد أن يتعاونوا فيما يحقق لهم المصالح ويدرأ عنهم المفاسد، وهذا التعاون واجب شرعي لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة الآية ٢. ولا شك أن جمع النفايات من الأمور النافعة التي تعود بالمصلحة على جميع الساكنين من حيث النظافة والمحافظة على الصحة العامة، والمحافظة على البيئة، وكل ذلك من المقاصد الشرعية، والإسلام دين النظافة، ويظهر ذلك واضحاً جلياً في كثير من النصوص الشرعية التي تحث على النظافة والطهارة والتطيب وإزالة ما يجب إزالته من الروائح الكريهة، كقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} سورة المدثر الآية ٤، وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} سورة البقرة الآية ٢٢٢. وكقوله تعالى: {لا تقم فيه أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} سورة التوبة الآية١٠٨. وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا وبات معه ملك في شعاره) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، وقال الهيثمي: أرجو أنه حسن الإسناد. وقال العلامة الألباني: إسناده حسن، انظر السلسلة الصحيحة حديث رقم ٢٥٣٩، وحسنه العلامة الألباني أيضاً في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم ٥٩٩. وورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها) . صححه العلامة الألباني ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط وقال المناوي: قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني. وأخرجه الترمذي ٢/١٣١من طريق خالد بن إلياس ... قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود. قاله العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٤١٨.

وكذلك فإن إزالة النفايات فيه محافظة على البيئة وفيه أيضاً رفع للأذى من طريق المسلمين، وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم، وعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أماط أذىً من طريق المسلمين، كتبت له حسنة، ومن تُقبلت منه حسنة دخل الجنة) رواه الطبراني والبخاري في الأدب المفرد، وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر صحيح الأدب المفرد ص ٢٢١. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يمشي في الطريق إذ وجد غصن شوك، فأخره فشكر الله له فغفر له.) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) رواه مسلم. وغير ذلك من الأحاديث.

إذا تقرر هذا فإن من الواجب الشرعي على المسلم أن يدفع ثمناً للخدمات التي تقدمها البلديات والمجالس المحلية، ما دام أن تلك الخدمات تقدم بأجر، ويحرم الامتناع عن دفع تلك الرسوم أو التهرب من دفعها، ويعتبر ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية ٢٩. وكذلك فإن الامتناع من دفع رسوم الخدمات للبلديات والمجالس المحلية يعد من خيانة الأمانة قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} سورة النساء الآية ٥٨. ويعتبر ذلك من الإخلال بالعقود والعهود والمواثيق فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} سورة المائدة الآية ١.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم لكنه بدون الاستثناء، ورواه كذلك الحاكم وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ (المسلمون عند شروطهم) أي بدون الاستثناء. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن الوفاء بها أي بالالتزامات التي التزم بها الإنسان من الواجبات التي اتفقت عليها الملل بل العقلاء جميعاً] مجموع الفتاوى ٢٩/٥١٦ والقواعد النورانية ص٥٣.

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية: هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالها؟. فأجابت: [لا يجوز؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، وعدم أداء الأمانة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ] فتاوى اللجنة الدائمة ٢٣/٤٤١.

وجاء في فتاوى الإسلام سؤال وجواب ١/٥٧٤٩ حول سؤال يتعلق بتهرب بعض الناس من دفع الالتزامات [لا يجوز لهم ذلك، فالعقد شريعة المتعاقدين، والله جل وعلا أمر بالوفاء بالعقود {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} فهؤلاء الذين يتهربون من دفع شيء تعاقدوا عليه، ويأخذون أشياء لهم، ويمتنعون من دفع أشياء عليهم أخطأوا من وجهين: الأول: عدم الوفاء بالعقود، والثاني: أنهم يأخذون حقوقاً ليست لهم ويتهربون من دفع حقوق عليهم. فالواجب عليهم أن يدفعوا ما يطلب منهم، وإذا كانوا يتحرجون من ذلك، فلا يستفيدوا من الخدمات التي تقدم لغيرهم مقابل دفع هذه الأموال المطلوبة منهم.]

وأخيراً أنبه على بعض الأمور القريبة من السؤال مثل سرقة المياه وسرقة الكهرباء ورمي النفايات في الشوارع وكذلك التعدي على الشوارع بالبناء وغير ذلك، فهذه الأمور كلها محرمة وتضر بمصالح الناس، وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني، السلسلة الصححة حديث رقم ٢٥٠. وقد اعتبر الفقهاء هذا الحديث من القواعد الفقهية العامة فلا يجوز لأحد أن يتعدى على حقوق الآخرين، ومن ضمن ذلك ما يتعلق بالطرق والشوارع، فمن المعلوم أن الطريق من الحقوق العامة التي ينتفع بها الناس كافة فلا يجوز لأحد أن يؤذي غيره فيها. فاستعمال الطرق والشوارع له أحكام شرعية متعلقة به وليس للإنسان مطلق الحرية أن يتصرف في الشوارع حسبما يريد وكيفما يريد، جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أتيتم إلى المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى وردّ السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) رواه البخاري. وفي رواية أخرى، قال صلى الله عليه وسلم (إذ أبيتم إلا الجلوس في الطريق فأعطوا الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال غض البصر، ورد السلام، وإماطة الأذى عن الطريق)

وخلاصة الأمر أنه يحرم الامتناع عن دفع رسوم جمع النفايات للبلديات والمجالس المحلية وفي ذلك مفاسد من جهات عديدة بينتها، والأعمال الخدمية التي تقوم بها البلديات والمجالس المحلية تعتبر من المصالح العامة للسكان والتعاون في ذلك من الواجبات الشرعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>