للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥٦ - سرقة الدواء المدعوم]

يقول السائل: إنه صيدلاني وقد ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة سلبية جداً وهي أن بعض الأطباء وبعض الصيادلة وبعض العاملين في المجالات الصحية الحكومية يقومون بسرقة الأدوية على النحو الآتي: أولاً: يقوم الطبيب بوصف أدوية لا يحتاج إليها المريض من حيث النوعية والكمية وبدون علم المريض، وتجيير هذه الأدوية للصيدلية المتعاملة بالمسروقات، فتباع بسعر أقل من سعر التكلفة لدواء مشترى بشكل رسمي ومدوّن عليه التسعيرة (لاصق النقابة) . ثانياً: يقوم الصيدلاني بتغيير كمية الأدوية المكتوبة في الوصفة بطرق غير مكشوفة، كأن يكون مكتوب في الوصفة علبة واحدة فيغير الصيدلي الرقم إلى علبتين ويأخذ العلبة الأخرى له. وكثيراً ما يكون من المسروقات أدوية يلزم حفظها بالثلاجة وبالتالي تصل للمستهلك تالفة. وقد حدثت أخطاء بسبب هذه السرقة ومن الأمثلة عليها أن الأنسولين يحفظ في الثلاجة، حيث قام الصيدلاني بسرقته ووضعه في جيبه لمدة من الزمن مما أدى إلى خراب الأنسولين قبل إعادته إلى الثلاجة فعندما اشترى المريض الأنسولين واستخدمه لابنته، حدث أن أصيبت البنت بالإغماء فذهبت للمستشفى فتبين أنها لم تأخذ جرعات الأنسولين الصحيحة. أرجو من فضيلتكم بيان هذه القضية للناس لأنها تمس المجتمع بشكل أساسي. الجواب: إن كثيراً من الناس يتساهلون في الأموال العامة التي تكون تحت تصرفهم وأقصد أموال الوزارات وأموال المؤسسات العامة حكومية كانت أو غير حكومية فترى بعض المسئولين كباراً كانونا أم صغاراً يعتبرون أن المؤسسة أو المكتب الذي يعملون فيه يعتبرونه وكأنه مزرعتهم الشخصية فالواحد منهم حر التصرف فيها كما يشاء أضف إلى ذلك خيانة الأمانة واستغلال المنصب للأمور الشخصية وأمثال هؤلاء الموظفين الذين خانوا الأمانة يتجاهلون أن أعمالهم هذه ستكون وبالاً عليهم في الآخرة فالأصل في الموظف أنه أجير والأجير لا بد أن يكون أميناً ويدخل في الأمانة حسن أداء العمل والأمانة في استخدام المال العام والمحافظة عليه. قال الله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) . سورة القصص الآية ٢٦. ويقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء الآية ٥٨. ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) سورة المؤمنون الآية ٨.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها) رواه مسلم.

وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حرمة الخوض في الأموال العامة، قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) سورة البقرة ١٨٨، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الآية ٢٩.

وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع) رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى: (وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة) رواه مسلم.

وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) رواه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر: [قوله (يتخوضون في مال الله بغير حق) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل] فتح الباري ٦/٢٦٣.

إذا تقرر هذا فأعود لما ورد في السؤال فأقول: إن الطبيب إذا وصف أدوية للمريض زائدة عن الحاجة الحقيقية للمريض فهذه خيانة للأمانة وهي محرمة شرعاً وأذكر هذا الطبيب وأمثاله بالقسم الذي أقسمه عندما تخرج من كلية الطب [أقَسِمُ باللهِ العَظِيمْ أن أراقبَ الله في مِهنَتِي. وأن أصُونَ حياة الإنسان في كافّةِ أدوَارهَا. في كل الظروف والأحَوال بَاذِلاً وسْعِي في استنقاذها مِن الهَلاكِ والمرَضِ والألَم والقَلق. وأن أَحفَظ لِلنّاسِ كَرَامَتهُم، وأسْتر عَوْرَتهُم، وأكتمَ سِرَّهُمْ. وأن أكونَ عَلى الدوَام من وسائِل رحمة الله، باذلا رِعَايََتي الطبية للقريب والبعيد، للصالح والخاطئ، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أُسَخِره لنفعِ الإنسَان ... لا لأذَاه. وأن أُوَقّرَ مَن عَلَّمَني، وأُعَلّمَ مَن يَصْغرَني، وأكون أخاً لِكُلِّ زَميلٍ في المِهنَةِ الطُبّيّة مُتعَاونِينَ عَلى البرِّ والتقوى. وأن تكون حياتي مِصْدَاق إيمَاني في سِرّي وَعَلانيَتي، نَقيّةً مِمّا يُشينهَا تجَاهَ الله وَرَسُولِهِ وَالمؤمِنين. والله على ما أقول شهيد] إن هذا القسم يجب شرعاً الوفاء به وليتذكر الطبيب وأمثاله أنه سيحاسب على كل ما قدمت يداه.

وإذا كان الطبيب متفقاً مع المريض ومع الصيدلي فهذه سرقة وهي محرمة أيضاً. وإذا قام الصيدلي بتغيير كمية الدواء المكتوبة في الوصفة الطبية فهذا تزوير وهو محرم أيضاً قال الله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} سورة الحج الآية ٣٠.

بل إن التزوير من أكبر كبائر الذنوب فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت) رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور) رواه البخاري ومسلم.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به , وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل ; وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها] فتح الباري ١٠/٥٠٦.

وإذا ترتب ضرر للمريض فتزداد جرائم هؤلاء المشاركين بهذه المعاصي المركبة وليتذكر هؤلاء وخاصة الطبيب أن المريض حينما يأتي للعلاج فإنه قد وثق بالطبيب واستأمنه على نفسه فعلى الطبيب أن يحفظ الأمانة ولا يخونها فلا يقبل أن يكون الطبيب سبباً في زيادة المرض بدل أن يكون سبباً في شفائه.

وخلاصة الأمر أن سرقة الأدوية والتلاعب بها من الأمور المحرمة شرعاً وإذا ترتب ضرر للمريض بسبب ذلك فكل من يشارك في هذه اللصوصية فهو آثم وضامن.

<<  <  ج: ص:  >  >>