للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٩٠ - عقد المزارعة لا يعني تملك الأرض]

يقول السائل: ما قولكم فيما انتشر بين الناس أن من تكون عنده أرض لغيره يزرعها لفترة طويلة كعشرين سنة مثلاً ثم يريد صاحب الأرض استرجاعها وإلغاء عقد المزارعة فيطالب المزارع بتملك جزء من الأرض بحجة أنه كان يعتني بالأرض ويزرعها ويرفض إعادة الأرض لصاحبها إلا باقتطاع جزء منها فما حكم الشرع في ذلك؟

الجواب: إن طرق تملك الأرض في الشريعة الإسلامية لا تخرج عن خمسة وهي:

أولاً: تملك بالبيع والشراء كأن يشتري شخص قطعة أرض فيصبح مالكاً لها حر التصرف فيها بعد إتمام عقد البيع.

ثانياً: تملك بالهبة: كأن يهب شخص آخر قطعة أرض فيملكها الثاني مجاناً فيصبح حر التصرف فيها.

ثالثاً: تملك بإحياء الأرض الموات وهي الأرض التي لا حق فيها لأحد ولا ملك وسأفصل ما يتعلق بإحياء الموات فيما بعد.

رابعاً: التملك بالإقطاع وهو أن يقطع إمام المسلمين بعض الرعية أرضاً مواتاً لإحيائها وإعمارها فيصير مالكاً لها

خامساً: التملك بالميراث كأن يرث شخص أرضاً عن أبيه فيصير مالكاً لها.

هذه هي طرق تملك الأرض عند العلماء وأما المزارعة فليست طريقاً لتملك الأرض لأن المزارعة في حقيقتها إنما هي فرع من الإجارة والإجارة تعني تملك المنفعة ولا تعني تملك العين المؤجرة فمهما طالت مدة الإجارة تبقى العين المؤجرة ملكاً لصاحبها فلو أن شخصاً سكن في بيت بالإجارة لمدة خمسين عااً فيبقى البيت لصاحبه ولا يصير ملكاً للمستأجر أبداً. فالمزارعة وهي عقد على الزرع ببعض الخارج من الأرض فلو اتفق مزارع مع صاحب أرض على أن يزرع أرضه مقابل ثلث المحصول واتفقا على أن مدة العقد عشرين سنة فلا يعني هذا العقد أن المزارع يملك شيئاً من الأرض مهما طالت مدة المزارعة.

ولعل بعض الناس يظن أنه يتملك الأرض بعد طول المدة لأنه أحياها ولعلهم يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني في إرواء الغليل ٦/٤.

وهذا الفهم خاطئ تماماً لأن المقصود بإحياء الأرض الموات هي الأرض التي لا مالك لها ولا تعلق بها أي حق لمسلم أو غير مسلم.

فقد روى البخاري في صحيحه بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها) .

وقد ذكر العلماء شروطاً لصحة إحياء الأرض الموات منها أن لا تكون الأرض ملكاً لأحد مسلم أو ذمي وهذا الشرط باتفاق أهل العلم ومنهم من شرط أن يكون الإحياء بإذن الإمام ومنهم من شرط أن تكون الأرض خارج البلد. انظر تفصيل هذه الشروط في ملكية الأرض ص١١٨ فما بعدها.

وبهذا يظهر لنا أن إحياء الأرض الموات لا يكون في الأراضي المملوكة للناس وإن ترك أصحابها استغلالها ويجب تحذير من يستولون على أراضي الناس الآخرين بغير حق وأن هذا من الظلم.

وقد حرم الله الظلم قال الله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) سورة غافر الآية ١٨ وقال تعالى: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) سورة الحج الآية ٧١.

وجاء في الحديث القدسي فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) رواه مسلم.

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) رواه مسلم.

وجاء في خطبة الوداع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الله حرم عليكم دمائكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من غصب الأراضي وأخذها من أصحابها بغير حق فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) متفق عليه

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه طوقه من سبع أرضين) رواه أحمد بإسنادين أحدهما صحيح ومسلم إلا أنه قال: (لا يأخذ أحد شبراً من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة) قوله: (طوقه من سبع أرضين) قيل: أراد طوق التكليف لا طوق التقليد وهو أن يطوق حملها يوم القيامة وقيل: إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق.

وروى البغوي بإسناده عن سالم عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين) رواه البخاري.

وعن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما رجل ظلم شبراً من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس) رواه أحمد والطبراني وابن حبان وفي رواية لأحمد والطبراني عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ أرضاً بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر) . وقال الألباني: صحيح.

وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين) رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني في الكبير. وقال الألباني: حسن صحيح.

وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غصب أرضاً ظلماً لقي الله وهو عليه غضبان) رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني. وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح الترغيب والترهيب ٢/ ٣٧٩ – ٣٨١.

وخلاصة الأمر أنه يحرم على المسلم أن يأخذ أي جزء من أرض غيره بحجة أنه استأجرها سنوات طويلة لأن المزارعة والإجارة ليستا من طرق تملك الأرض وإنما هما ملك للمنفعة لا ملك للعين.

وإن غصب الأرض ظلم عظيم وجريمة كبيرة عقابها في الآخرة شديد والعياذ بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>