للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٢٢ - القروض]

يقول السائل: توفي والدي وعليه ديون كثيرة ولم يترك مالاً لسداد الديون فهل أولاده ملزمون بسداد الديون عنه؟

الجواب: إذا مات المسلم وعليه ديون وكان له أموال فأول عمل يقوم به ورثته هو تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ومن ثم تسديد ديونه وبعد ذلك إنفاذ وصيته إن كان قد أوصى وبعد ذلك يوزع باقي المال على الورثة ,

وأما إذا لم يكن له أموال وقد ترك ديوناً فيندب للورثة أن يسددوا ديونه عنه وهذا من باب البر والوفاء للميت وخاصة إذا كان الميت هو أحد الوالدين وليس ذلك واجباً على الورثة ولكنه مندوب إليه.

فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الإمام النووي.

قال الشيخ الشوكاني معلقاً على هذا الحديث: [فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه. وأما من لا مال له ومات عازماً على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه ...] نيل الأوطار ٤/٢٦.

وقد ورد في أحاديث أخرى أن نفس المؤمن معلقة بدينه فمن ذلك:

عن سعد بن الأطول رضي الله عنه: (أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالاً. قال: فأردت أن أنفقها على عياله. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقضه عنه. فذهبت فقضيت عنه ثم جئت. قلت يا رسول الله: قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليست لها بينة. قال: أعطها فإنها محقة) وفي رواية أخرى: (صادقة) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ الألباني. انظر أحكام الجنائز ص ١٥.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازة فلما انصرف قال: أههنا من آل فلان أحد؟ فسكت القوم وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا فقال ذلك مراراً. فقال رجل: هو ذا. قال: فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني؟ أما أنّي لم أنوه باسمك إلا لخير: إن فلاناً – رجل منهم – مأسور بدينه عن الجنة فإن شئتم فافدوه وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله. فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أحد يطلبه بشيء) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني، أحكام الجنائز ص ١٥.

وينبغي أن يعلم أن أمر الدين عظيم ولا ينبغي أن يدّان الإنسان إلا إذا احتاج للمال فعلاً وعليه أن ينوي سداد الديون حتى لو لم يكن لديه ما يقضي دينه فإن مات بهذه النية فإن الله يسدد عنه كما ورد في أحاديث سأذكر بعضها فيما بعد.

والدين قد يكون سبباً في حبس المؤمن والشهيد عن الجنة لما ثبت في الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر يكفر الله عني خطاياي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. فلمّا أدبر ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فنودي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ فأعاد عليه قوله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم إلا الدين كذلك قال جبريل) رواه مسلم.

وجاء في حديث آخر عن محمد بن جحش أنه قال: (كنا جلوساً في موضع الجنائز مع رسول الله فرفع رأسه في السماء ثم وضع راحته على جبهته فقال: سبحان الله ماذا أنزل الله من التشديد؟ فسكتنا وفرقنا. فلما كان الغد سألته: يا رسول الله ما هذا التشديد الذي نزل؟ قال: في الدين والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه) رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري.

فالمسلم إذا استدان لحاجة حقيقية وكان ينوي أداء الدين لأصحابه فإن الله ييسر أمر قضاء الدين فقد ورد في الحديث عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم يدّان ديناً يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) رواه ابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دان بدين في نفسه وفاءه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ومن دان بدين وليس في نفسه وفاءه ومات اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة) رواه الطبراني.

وعن ابن عمر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الدين دينان فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم) رواه الطبراني في الكبير وصححه الشيخ الألباني.

أحاكم الجنائز ص ٥.

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>