للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٨٦ - أنت ومالك لأبيك]

يقول السائل: هل يجوز للأب أن يتملك مال ولده ويأخذه له اعتماداً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) ؟

الجواب: لقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على الولد الموسر أن ينفق على والده الفقير المحتاج وإن لم يفعل فهو آثم عند الله سبحانه وتعالى.

ويجوز للأب أن يأكل من مال ولده ويأخذ منه قدر حاجته ما لم يكن في ذلك سرف أو سفه فقد ورد في الحديث عن عائشة قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم) رواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد وابن حبان والحاكم وهو حديث حسن صحيح كما قال الترمذي وفي رواية لأحمد: (ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئاً) ورواه الحاكم وصححه.

وينبغي للابن أن يبذل ماله لأبيه ولا يمنعه منه وليس معنى ذلك أن الأب يملك مال الابن من غير طيب نفس من ابنه وأما الحديث المذكور وهو قوله: (أنت ومالك لأبيك) فهو جزء من حديث ورد بروايات مختلفة منها عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال: (يا رسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يجتاح مالي. فقال عليه الصلاة والسلام: أنت ومالك لبيك) رواه ابن ماجة والطحاوي والطبراني وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني وقد ورد هذا الحديث من طرق كيثرة تكلم عليها الألباني بالتفصيل في كتابه إرواء الغليل ٣/٣٢٣-٣٣٠.

ولم يأخذ أكثر الفقهاء بظاهر الحديث قال ابن حبان في صحيحه: تحت عنوان " ذكر خبر أوهم من لم يحكم صناعة العلم أن مال الابن يكون للأب ... " ثم ذكر الحديث وعقب عليه بقوله: [ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم زجر عن معاملته أباه بما يعامل به الأجنبي وأمره ببره والرفق به في القول والفعل معاً إلى أن يصل إليه ماله فقال له: (أنت ومالك لأبيك) لا أن مال الابن يملكه الأب في حياته عن غير طيب نفس من الابن له] صحيح ابن حبان ٢/١٤٢-١٤٣.

ويرى بعض أهل العلم أن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم: (لأبيك) تفيد الإباحة لا التمليك فيباح للوالد أن يأخذ من مال الابن حاجته ولا تفيد أن الأب يملك مال الابن فإن مال الابن له وزكاته عليه وهو موروث عنه.

وقال الشيخ علي الطنطاوي: [إن الحديث قوي الإسناد لكن لا يؤخذ عند جمهور الفقهاء على ظاهره بل يؤول ليوافق الأدلة الشرعية الأخرى الثابتة والقاعدة الشرعية المستنبطة منها وهي أن المالك العاقل البالغ يتصرف بماله وليس لأحد التصرف به بغير إذنه ...] فتاوى الطنطاوي ص ١٣٧.

وأخيراً أذكر رواة للحديث السابق لما فيها من العظة والعبرة وإن كان في سندها كلام فقد روي: (أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي أخذ مالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: اذهب فائتني بأبيك. فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله هل أنفقه إلا على عماته أو خالاته أو على نفسي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيه دعنا من هذا وأخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذاك. فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقيناً لقد قلت في نفسي شيئاً ما سمعته أذناي. فقال: قل وأنا أسمع. قال: قلت:

تعل بما أجني عليك وتنهللسقمك إلا ساهراً أتململطرقت به دوني فعيناي تهمللتعلم أن الموت وقت مؤجلإليها مدى ما فيك كنت أؤملكأنك أنت المنعم المتفضلفعلت كما الجار والمجرور يفعلبرد على أهل الصواب موكل غذوتك مولوداً ومنتك يافعاًإذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبتكأني أنا المطروق دونك بالذيتخاف الردى نفسي عليك وأنهافلما بلغت السن والغاية التيجعلت جزائي غلظة وفظاظةفليتك إذ لم ترع حق أبوتيتراه معداً للخلاف كأنه

قال فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال: أنت ومالك لأبيك) .

*****

<<  <  ج: ص:  >  >>