للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - ترك مجالسة أهل الأهواء وآكلي لحوم العلماء]

يقول السائل: ما حكم حضور دروس الذين يتطاولون على العلماء ويشككون عامة الناس بكتب أهل العلم ويأتون بأمور غريبة مخالفة لما عليه علماء الإسلام، أفيدونا؟

الجواب: لا بد أن يعلم أولاً أن احترام العلماء وتقديرهم أمر مطلوب شرعاً، وقد وردت نصوص كثيرة في تقدير العلماء واحترامهم، قال الإمام النووي: [باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم] . ثم ذكر قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الزمر الآية ٩، ثم ساق الإمام النووي طائفة من الأحاديث في إكرام العلماء والكبار وأحيل القارئ إلى كتاب رياض الصالحين للإمام النووي ص ١٨٧-١٩٢.

ومما ورد أيضاً ما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) رواه أحمد والحاكم وقال العلامة الألباني حديث حسن، كما في صحيح الترغيب والترهيب ١/١٥٢. وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي صاحب العقيدة الطحاوية المشهورة: [وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل] شرح العقدية الطحاوية ص ٥٥٤.

وقد حذر العلماء من سب العلماء ومن الوقيعة بهم فقد ورد عن الإمام أحمد بن الأذرعي قوله [الوقيعة في أهل العلم ولا سيما أكابرهم من كبائر الذنوب] حرمة أهل العلم ص ٣١٩.

وقال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله مخاطباً رجلاً تجرأ على العلماء: [إنما نحترمك ما احترمت الأئمة] .

وقال الحافظ ابن عساكر يرحمه الله: [اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ] . ومع كل هذه النصوص التي تحث على ما سبق وغيرها من النصوص الشرعية التي تحرم السب والشتم واللعن والوقوع في أعراض المسلمين إلا أن بعض الناس من أشباه طلبة العلم ليس لهم شغل إلا شتم العلماء وسبهم على رؤوس الأشهاد في المساجد وفي الصحف والنشرات ويحاول هؤلاء المتسلقين على حياض العلم الشرعي تشويه صورة العلماء وتنفير عامة الناس منهم والتهوين من علمهم والتهوين من قيمة كتبهم ويزعمون أن العلماء قد حرفوا دين الله عز وجل وغير ذلك من سوء الأدب مع العلماء. إن أدعياء العلم هؤلاء، الذين يأتون الناس بالغرائب والعجائب ويزعمون – والزعم مطية الكذب - أنهم يرجعون إلى كتاب الله عز وجل وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وهم في الحقيقة يتلاعبون في كتاب الله ولا يعرفون المبادئ الأولية لعلم الحديث، إن الموقف الشرعي من هؤلاء المبتدعة هو مقاطعتهم وعدم حضور مجالسهم ومقاطعة دروسهم ومحاضراتهم كما هو منهج السلف في عدم مجالسة أهل البدع والأهواء فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب " أخرجه الآجري في الشريعة ص٦١، وابن بطة في الإبانة الكبرى ٢/٤٣٨. وعن أبي قلابة رحمه الله تعالى أنه كان يقول: " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم " أخرجه الدارمي في سننه١/١٢٠ وعن الحسن البصري أنه قال: " لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم " أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ١/١٣٣. ويقول الحافظ ابن عبد البر: " أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك فقد رخص له مجانبته ورب صرمٍ جميل خير من مخالطة مؤذية] التمهيد ٦/١٢٧. هذه النصوص وغيرها ذكرها الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع. ومن أقوال الإمام الفضيل بن عياض في هؤلاء المبتدعة وأمثالهم: (لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة.) (من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة.) (من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الاسلام من قلبه) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [ومن كان متبدعاً ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب، ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه، لينزجر من يتشبه بطريقته ويدعو إليه، وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة.] وإن الواجب شرعاً هو تأديب من يأتي الناس بالغرائب والمتشابهات كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل، فقد روى الدارمي من طريق سليمان بن يسار قال قدم المدينة رجل يقال له صبيغ بن عسل فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر فأعد له عراجين النخل فقال من أنت قال أنا عبد الله صبيغ قال وأنا عبد الله عمر فضربه حتى أدمى رأسه فقال حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي)

وروى إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق هشام عن محمد بن سيرين قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى لا تجالس صبيغ واحرمه عطاءه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [وقصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب من أشهر القضايا فانه بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حتى رآه عمر فسأل عمر عن {الذاريات ذرواً} فقال ما اسمك قال عبد الله صبيغ فقال وأنا عبد الله عمر وضربه الضرب الشديد وكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس يقول ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بصبيغ وهذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام كما قال النبي عليه الصلاة والسلام) إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه) وكما قال تعالى {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} فعاقبوهم على هذا القصد الفاسد كالذي يعارض بين آيات القرآن وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال (لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فان ذلك يوقع الشك في قلوبهم) ومع ابتغاء الفتنة ابتغاء تأويله الذي لا يعلمه إلا الله فكان مقصودهم مذموماً ومطلوبهم متعذراً مثل أغلوطات المسائل التي نهى رسول الله عنها] عن الإنترنت.

وخلاصة الأمر أنه يجب هجر المتلاعبين في كتاب الله عز وجل وآكلي لحوم العلماء والطاعنين في كتبهم ولا يجوز لعامة الناس حضور دروسهم وتكثير جمعهم، وما أحوجنا لإمام يصنع بهم كما صنع عمر رضي الله عنه بصبيغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>