للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦ - النقاب من الدين وليس من العادات كما زعم شيخ الأزهر]

يقول السائل: هل ما قاله شيخ الأزهر عن النقاب بأنه ليس من الدين وإنما هو من العادات صحيح، أفيدونا؟

الجواب: من المؤسف حقاً أن بعض المشايخ الرسميين لهم مواقف وأقوال تصب في محاربة الإسلام الحق، وكأنهم صاروا أدوات طيعة في أيدي أعداء الإسلام، يستعملونهم في محاربة الدين، ولا أدل على ذلك من احتفاء جهات معادية للإسلام بأقوال د. سيد طنطاوي شيخ الأزهر في قضية النقاب، ومن أراد أن يعرف برهان ذلك فليرجع إلى ما كتبته بعض الصحف الغربية وبعض القنوات الفضائية، مرحبة بمقالة السوء التي صدرت عن شيخ الأزهر. وهذه ليست أول مرة يقف فيها شيخ الأزهر مثل هذه المواقف التي تسيء إساءة بالغة لأهم مؤسسة دينية على مستوى العالم الإسلامي، فرحم الله الأزهر عندما كان منارة للعلم والعلماء ومنبراً للدفاع عن الإسلام والمسلمين. ومما يثير الغضب والاشمئزاز في موقف شيخ الأزهر من النقاب في الحادثة الأخيرة، تجاهله الصريح لما قرره العلماء في حكم النقاب، بل تجاهله لما قرره هو نفسه قبل أن يجلس على كرسي مشيخة الأزهر كما سأذكر، وكذلك أسلوبه الفج وألفاظه الجارحة في التعامل مع الفتاة ومعلمتها، بل وصل به الأمر إلى الاستهزاء بالفتاة بعد أن أجبرها على خلع نقابها وظهر له أنها ليست جميلة فقال لها ما قال، فأين الشيخ من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} سورة الحجرات الآية١١. ولو قبلنا كلام شيخ الأزهر أن النقاب من العادات – وهو ليس بمقبول- فلماذا لا تترك لها حرية الاختيار؟ وهي قد اختارت أمراً يزيد في سترها وعفافها، وأين موقف شيخ الأزهر من المتبرجات الكاسيات العاريات؟ وبدلاً من إصدار القرارات في منع المنقبات من دخول مؤسسات الأزهر، كان الواجب الشرعي يقتضي منع المتبرجات من ذلك! والحق يقال أن المتبرجات أولى بهذه الغضبة وأولى بهذا التعنيف من المنقبات. أم أن التبرج مسموح والتنقب ممنوع!!!

إذا تقرر هذا فلا بد من بيان أن النقاب هو ما تغطي به المرأة وجهها، وأما الحجاب فهو ما تستر به المرأة جميع بدنها، وأما الخمار فهو ما تغطي به المرأة رأسها، وقد اتفق أهل العلم على وجوب تغطية المرأة لرأسها وجميع بدنها، ووقع خلاف بين أهل العلم في حكم تغطية الوجه، فمن العلماء من أوجبه، ومنهم من استحبه، فأوجبوا الخمار والحجاب، واختلفوا في النقاب ما بين الوجوب والاستحباب، ولم يقل أحد من أهل العلم - فيما أعلم - أن النقاب ليس من الدين، كما زعم د. سيد طنطاوي شيخ الأزهر، بل إن ما قاله شيخ الأزهر قول شاذ، ليس له مستند علمي صحيح، ولا أريد هنا أن أذكر كلام العلماء وأدلتهم في الخلاف في حكم النقاب، ولكن أود أن أذكر شيئاً من كلام د. سيد طنطاوي قبل أن يصبح مفتياً للديار المصرية وقبل أن يصير شيخاً للأزهر، فقد قال في تفسيره للقرآن الكريم المسمى بالوسيط عند تفسير قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال د. سيد طنطاوي: [ومن الأحكام والآداب التي اشتملت عليها هاتان الآيتان ما يأتي: ... أنه لا يحل للمرأة أن تبدى زينتها لأجانب، إلا ما ظهر منها، لأن الله تعالى يقول: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . قال الإمام القرطبي ما ملخصه: أمر الله تعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، حذاراً من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، واختلف الناس في قدر ذلك. فقال ابن مسعود: طاهر الزينة هو الثياب. . . وقال سعيد بن جبير والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب ... وقال ابن عباس وقتادة: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب ونحو هذا، فمباح أن تبديه لكل من ظهر عليها من الناس. وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية، بأن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر، بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، " فما ظهر " على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه. قلت: أي القرطبي: وهذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما، عادة وعبادة، صح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما. يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة (أن أسماء بنت أبي بكر، دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه) . وقال بعض علمائنا: (إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك. هذا وفى هذه المسألة كلام كثير للعلماء فارجع إليه إن شئت.]] فالدكتور طنطاوي ذكر قولين لأهل العلم في تغطية المرأة وجهها، ولم يذكر لنا أن تغطية المرأة لوجهها ليس له علاقة بالدين وأنه من العادات كما زعم، وأين شيخ الأزهر من النصوص التي ورد فيها ذكر النقاب، ومنها عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) رواه البخاري. قال الشيخ أبو بكر بن العربي المالكي: [قوله في حديث ابن عمر: (لا تنتقب المرأة) وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها] عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي ٤/٤٥. ولو قلنا بعدم وجوب النقاب فنهيه صلى الله عليه وسلم المحرمة أن تتنقب يدل على جوازه في غير حالة الإحرام. وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها في حديث قصة الإفك قالت: ( ... فبينما أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني، فنمت، وكان صفوان ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج، فأصبح عند منزلي ... فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمَّرت ـ وفي رواية فسترت ـ وجهي عنه بجلبابي ... ) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) . رواه أحمد وأبو داود وصححه العلامة الألباني في حجاب المرأة المسلمة ص ٥٠. وذكر العلامة محمد العثيمين قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} . سورة الأحزاب الآية ٥٩) . قال ابن عباس: [أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة] . قال العثيمين: وتفسير الصحابي حجة، بل قال بعض العلماء إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله رضي الله عنه " ويبدين عيناً واحدة " إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين. والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة. قالت أم سلمة رضي الله عنها لما نزلت هذه الآية: (خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها) . وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن من أجل رؤية الطريق.] رسالة الحجاب للعلامة العثيمين. وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن جابر بن زيد أنه كره أن تصلي المرأة وهي منتقبة أو تطوف وهي منتقبة. وروى أيضاً عن طاووس أنه كره أن تصلي المرأة وهي منتقبة. وروى عن الحسن قال كان يكره أن تصلي المرأة منتقبة. وروى عن صفية بنت شيبة قالت: (رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة) . فهذه النصوص وغيرها تدل دلالة واضحة على أن النقاب كان معروفاً عند النساء المسلمات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة والتابعين، وليس الأمر كم زعم الزاعمون أن النقاب دخيل على الأمة في عهود الانحطاط كما يسمونها! ومما يدل على بطلان ما زعمه شيخ الأزهر أن المجلس الأعلى للأزهر عارض شيخه بشأن موقفه من النقاب، كما ورد في البيان الصادر عن المجلس الأعلى للأزهر بتاريخ ٩/١٠/ ٢٠٠٩م فقد عارض المجلس الأعلى للأزهر موقف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي بشأن موقفه من النقاب، معلناً أن النقاب مسموح به في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر في وجود الرجال. وقال المجلس في بيانه عقب اجتماع طارئ برئاسة طنطاوي: إنه يسمح بارتداء النقاب في أفنية المعاهد الأزهرية بما فيها التي يقتصر التدريس فيها على نساء. وأضاف أن "الممنوع فقط هو استعماله داخل الفصل الدراسي الخاص بالبنات والذي يقوم بالتدريس فيه المدرسات من النساء فقط". وذكر المجلس في البيان الذي تلاه طنطاوي على الصحفيين أنه قرر: منع الطالبات في جميع مراحل الدراسة في الأزهر وفي جامعته من ارتداء النقاب في قاعات الامتحانات الخاصة بالفتيات والتي لا وجود للرجال معهن في هذه القاعات وتكون المراقبة عليهن أثناء الامتحانات مقصورة على النساء فقط] .

وخلاصة الأمر أن حكم النقاب يدور بين الوجوب والاستحباب، فهو من الدين، وليس من قبيل العادات كما زعم شيخ الأزهر، وكان الواجب على شيخ الأزهر أن يوجه غضبه وتعنيفه للمتبرجات، وليس للمنقبات طالبات الستر والعفاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>