للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٨ - الجندر فكرة تغريبية]

تقول السائلة: إنها دعيت للمشاركة في دورة عن (الجندر) تنظمها إحدى الجمعيات النسوية، فما هو الحكم الشرعي في المشاركة في ذلك، أفيدونا؟

الجواب: لا بد أن نتعرف أولاً على مصطلح (الجندر) ، وهو من المصطلحات الوافدة على أيدي التغربيين وفلول الماركسيين والجمعيات النسوية المدعومة غربياً [فقد بدأ استخدام لفظ (جندر) Gender في مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام ١٩٩٤، وهو لفظ غامض لم يحدد المؤتمرون معنىً دقيقاً له على طريقة دعاة العولمة الذين يمررون أفكارهم في مجتمعات المسلمين على صورة مصطلحات غير واضحة، فتنطلي على السذج. والراصدون لما يدخله أعداء الأمة المسلمة على دينها وثقافتها لهدم كيانها وخصوصيتها، يرون أن (الجندر) ليست مجرد كلمة، وإنما هي منظومة فلسفية متكاملة من القيم الغريبة على مجتمعنا الإسلامي، تهدف إلى إلغاء كافة الفروق بين الرجل والمرأة، والتعامل مع البشر على أنهم نوع من المخلوقات المتساوية في كل شيء من الخصائص والمقومات، وهذا النوع الإنساني في مقابل الحيوان والنبات. فالداعون إلى (الجندر) يعتبرون أن الفوارق التشريحية والفوارق بين وظائف الأعضاء والهرمونات بين الرجل والمرأة لم تعد ذات قيمة، وأنه يمكن تخطيها واعتبارها غير مؤثرة!! فهؤلاء لا يدعون إلى مجرد المساواة بين الرجل والمرأة، بل يدعون إلى إلغاء الفروق بينهما وعدم اعتبارها، بل واستغناء كل منهما عن الآخر، فلا تكامل بين الرجل والمرأة، ولا افتقار لأحدهما إلى الآخر لا في الجانب الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا الجنسي، فالمرأة وفق هذا المفهوم تستطيع أن تقضي وطرها مع امرأة مثلها، والرجل يستطيع أن يقضي وطره مع رجل مثله. والحقيقة أن هذه الدعوة تهدف أول ما تهدف إلى هدم الكيان الأسري وتدمير المجتمع، وإحياء الفكر الماركسي، فهي تلتقي مع الفلسفة الماركسية في أمرين: الأول: فيما يتعلق بمفهوم الصراع، فأصحاب نظرية (الجندر) يؤكدون على وجود صراع بين الرجل والمرأة، ويكرسون ذلك الصراع ويؤججون ناره، ويفترضون وجود معركة بينهما!! الأمر الثاني الذي تلتقي فيه هذه النظرية مع الماركسية هو الدعوة إلى هدم الأسرة باعتبارها في نظر ماركس ـ إلى جانب الدين ـ هي أهم المعوقات التي تقف أمام تطور المجتمعات.] الشبكة الإسلامية. ويضاف إلى ما سبق أن من أهم الأفكار التي ينادي بها (الجندر) التشكيك بصحة الدين الإسلامي عن طريق بث الشبهات مثل: إن الدين الإسلامي سبب في عدم المساواة بين الرجل والمرأة في أمور عدة؛ كالقوامة والميراث ونقصان شهادة المرأة، وتعدد الزوجات، وعدم تعدد الأزواج، والحجاب حتى قضايا مثل ذكورة لفظ الجلالة، وإشارة القرآن إلى ضمير المذكر أكثر من ضمير المؤنث، لم تسلم من سموم (الجندر) . وقد بدأ مصطلح (الجندر) وتطبيقاته بالتغلغل في الدول العربية بداية التسعينيات مع تزايد نفوذ مؤسسات التمويل الأجنبي ولجان المرأة ومؤسسات الأمم المتحدة. وعبر الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية، وهذه الآلية الدولية فيها طابع من الإلزام للحكومات العربية والإسلامية، بما وقعت عليه من اتفاقيات قد يتبع عدم تنفيذها ضغوط سياسية واقتصادية، أو إغراءات اقتصادية وسياسية. وقد شكلت مقررات مؤتمر بكين أساساً عملياً للسير في هذا الاتجاه، وكان بمثابة إشارة واضحة لكل الدول بحكوماتها ومنظماتها المدنية للعمل على تعزيز المساواة الاجتماعية بين الرجل والمرأة. عن الإنترنت. ويسعى (الجندريون والجندريات) إن صح التعبير فيما يسعون إليه، إلى إلغاء دور الأسرة من المجتمع المسلم وإلغاء دور الأب وإلغاء دور الأم ورفض الزواج ويدعون إلى ملكية المرأة لجسدها، وهي دعوة صريحة للإباحية، ورفض الإنجاب وإباحة الإجهاض والشذوذ الجنسي، وصدق من قال إن (الجندر) ما هو إلا مطية الشذوذ الجنسي. ومما ينادي به ويروج له (الجندريون والجندريات) [الأفكار الخطيرة التالية: أولاً: رفض أن اختلاف الذكر والأنثى راجع لصنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} سورة النجم الآيتان ٤٥-٤٦. ثانياً: فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها. ثالثاً: الاعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لإدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية، والحصول على أبناء بالتبني ضمن حقوق الإنسان. رابعاً: العمل على إضعاف الأسرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط، ومحضن التربية الصالحة، ومركز القوة الروحية، ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر الانحطاط المادي. خامساً: إذكاء روح العداء بين الجنسين، وكأنهما متناقضان متنافران، ويكفي لتأييد هذا الاتجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء - اليمن، فقد كان مما جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث، وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر منها للمؤنث. سادساً: التقليد الأعمى للاتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة ... سابعاً: رفع المسؤولية عن الشواذ جنسياً وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع، وهذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية أحياناً وتأتزر بلباس بعض الأبحاث المغرضة- التي ترى أنّ هناك سبباً فسيولوجياً في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ- أحياناً أخرى، وكِلا القولين مردود، ذلك أنه لا أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة تؤثر وربما تدعو إلى الشذوذ، لكن كما يقول د. ستيفن أر. كوفي: "بين المؤثر والاستجابة توجد مساحة رحبة مِن حرية الاختيار"، وهذه هي المسؤولية التي يحاسب العبد بموجبها، وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة المجنون والصبي ونحوه.] المرأة المسلمة والتحديات الغربية للدكتور صالح الرقب. ويجب الانتباه إلى أن فكرة الجندر وما ترتب عليها آخذة بالانتشار في بلادنا عبر الجمعيات النسوية والمراكز البحثية - زعموا - المدعومة غربياً، التي تنشط في نشر هذه الأفكار الخبيثة من خلال المؤتمرات والندوات والمحاضرات، بل إن بعض جامعتنا مع الأسف الشديد أصبحت تعتبر ذلك من ضمن الدراسات والبرامج التي تفرض على الطلبة، فهذه المراكز البحثية المزعومة تهدف إلى تثبيت دراسات الجندر كحقل أكاديمي، وإجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بالجندر والمساندة في صياغة السياسات والاستراتيجيات في المجتمع الفلسطيني. والمشاركة في تطوير الوعي بالنوع الاجتماعي، والتأثير على صياغة سياسات فعالة تسهم في بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع جميع أفراده بالعدل والمساواة. وهذه العبارات المعسولة تخفي تحتها السم الزعاف. وكذلك فإن بعض جامعتنا تسعى إلى إيجاد تخصص فرعي في دراسات الجندر لطلبة البكالوريوس وطرح مساقات تخدم ذلك التوجه الخبيث. وتطوير مشاريع مشتركة مع بعض الجامعات الأمريكية، وتبادل الكتب والمنشورات والأفلام الوثائقية، وتبادل باحثات وأساتذة على مدار عام أو فصل أكاديمي، وتبادل الزيارات القصيرة بين أعضاء الهيئات التدريسية وعمل أبحاث مشتركة حول قضايا المرأة، وتطوير مناهج الدراسات النسائية والجندر وتنظيم مؤتمرات دولية حول المرأة، ولا يتسع المقام إلى تفصيل أكثر مما سبق.

وخلاصة الأمر أن الجندر فكرة خبيثة هدامة يراد تسويقها بين المسلمين، لهدم البقية الباقية من الدين والأخلاق والقيم الطيبة، وهي فكرة مرفوضة إسلامياً قلباً وقالباً، ويجب على علماء الأمة والدعاة وخطباء المساجد أن يتصدوا لهذه الفكرة المشبوهة وأمثالها، وأن يقوموا بدورهم المنشود في توعية الناس، وخاصة النساء المسلمات بخطورة هذه الأفكار الخبيثة وبأضرارها المدمرة التي تعود بالخراب والفساد على المجتمع المسلم. ولا بد من التحذير من بعض المشايخ الذين يُستخدَمون لتسويق هذه الفكرة المشبوهة وأمثالها وهم يشعرون أو لا يشعرون. ويجب أن يعلم أنه يحرم شرعاً المشاركة في أي عمل له علاقة بفكرة الجندر من قريب أو بعيد، لأنها فكرة تصادم الدين الإسلامي مصادمة ظاهرة، بل تهدف إلى هدم المبادئ والأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة المسلمة خصوصاً والمجتمع المسلم عموماً، والواجب على المسلمين التمسك بدينهم فهو منهج رباني، فهو هدايتنا وطريق سعادتنا، ولسنا بحاجة إلى زبالة أفكار البشر المستوردة.

<<  <  ج: ص:  >  >>