للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٤ - الحملة الفرنسية على الحجاب]

يقول السائل: ما قولكم في هذه الهجمة الشرسة التي تشن في فرنسا ضد الحجاب والنقاب، وما قولكم في موقف شيخ الأزهر بأن منع النقاب شأنٌ فرنسيٌ داخليٌ لا ينبغي للمرء أن يتدخل فيه، لأن لكل بلد قوانينها الخاصة بها كما زعم، أفيدونا؟

الجواب: الحجاب أو الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله سبحانه وتعالى، وهي قضية مسلَّمة عند المسلمين، لأنها ثابتة بالنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب الآية ٥٩. وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} سورة النور الآيتان ٣٠-٣١. وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أُمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: (أنها كانت عند أختها عائشة وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا - أي وجهها وكفيها -) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص ٥٩. وغير ذلك من الأدلة.

وهذه الهجمة الغربية على الجلباب ما هي إلا حلقة من حلقات الهجوم على الإسلام، وعلى ثوابته، فمن السب والشتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الرسوم المسيئة في الدنمارك، إلى الطعن في كتاب الله عز وجل، إلى الهجوم المتجدد والمحاربة للجلباب الشرعي، فقد سبق لساركوزي عندما كان وزيراً لداخلية فرنسا أن أصدر تشريعاً قانونياً حظر فيه الحجاب في المدارس، وكان ذلك بمباركة شيخ الأزهر محمد طنطاوي الذي قال وقتها: [مسألة الحجاب للمرأة المسلمة فرضٌ إلهي، وإذا قصرت في أدائه حاسبها الله على ذلك؛ ولذلك لا يستطيع أي مسلم سواء كان حاكماً أو محكوماً أن يخالف ذلك، ولا نسمح لغيرنا أن يتدخل في شئوننا كدولة مسلمة، هذا إذا كانت المرأة المسلمة تعيش في دولة إسلامية، أما إذا كانت تعيش في دولة غير إسلامية كفرنسا، وأراد المسئولون بها أن يقرروا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب للمرأة المسلمة، فهذا يُعد حقهم، وأكرر أن هذا حقهم الذي لا أستطيع أن أعارض فيه كمسلم لأنهم غير مسلمين... في هذه الحالة عندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غير المسلمة، تكون من الناحية الشرعية في حكم المضطر] انتهى كلام شيخ الأزهر. واليوم يكرر شيخ الأزهر محمد طنطاوي موقفه المتخاذل فيقول: [أنا ليس لي شأن بقرار الرئيس الفرنسي بمنع ارتداء "النقاب" في بلاده لأن لكل دولة قوانينها التي تحكمها وهذا أمر داخلي تنظمه كل دولة كيفما تشاء.]

ويبدو أن شيخ الأزهر لم يقرأ تصريحات ساركوزي أو أنه تغافل عنها ليبرر موقفه المتخاذل، فكلام ساركوزي عن النقاب والحجاب وقد جعلهما شيئاً واحداً فقال: [إن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها يشكل علامة استعباد للمرأة وان ارتداءه غير مرحب به في فرنسا. وأكد ساركوزي أن البرقع ليس رمزاً دينياً، وإنما رمز استعباد للمرأة، وأريد أن أؤكد علناً أن البرقع غير مرحب به في أراضي الجمهورية الفرنسية. وأضاف الرئيس الفرنسي: لا يمكن أن نقبل في بلادنا نساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة اجتماعية ومحرومات من الكرامة. هذه ليست الرؤية التي تتبناها الجمهورية الفرنسية بالنسبة لكرامة المرأة]

إن كلام شيخ الأزهر كلام باطل وموقفه هذا خذلان لمسلمات فرنسا وغيرهن من المسلمات اللواتي يعشن في غير العالم الإسلامي، وفي كلام شيخ الأزهر فتحٌ لباب شر واسع على المسلمين في الغرب، فغداً ستحذو دول أخرى حذو فرنسا في اتخاذ قرارات بمنع الحجاب، وماذا لو اتخذت دول الغرب قرارات بمنع إقامة صلاة الجمعة أو إغلاق المساجد أو منع المسلمين من الأضحية وغير ذلك مما يطمس شخصية المسلمين في الغرب؟!! وكان الواجب الشرعي على شيخ الأزهر أن يطالب الحكومة الفرنسية بإتاحة حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين وفق مبادئ الحرية التي تتغنى بها فرنسا، أم أن الحرية إذا وصلت للمسلمين فإنها تتوقف!! وإنه لمن المؤسف حقاً أن يكون هذا هو موقف من يجلس على رأس الهرم في هيئة من أهم الهيئات الشرعية في العالم الإسلامي- الأزهر -، وليته سكت لكان السكوت أولى من هذا الموقف المخزي. إن الواجب على علماء الأمة وعلى الهيئات الشرعية في العالم الإسلامي أن يتصدوا لما قاله ساركوزي عن الجلباب، وأن يساندوا المسلمات في فرنسا وغيرها، وأن يبطلوا كلام شيخ الأزهر، ويبينوا له وجه الحق في هذه المسألة وغيرها من المسائل، التي كانت فيها مواقفه مدعاة للسخرية!! ومتى يدرك شيخ الأزهر أن مسألة الحجاب والجلباب ليست شأناً فرنسياً داخلياً، بل هي شأنٌ إسلاميٌ عام، وأين أنت يا شيخ الأزهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبَّك بين أصابعه) رواه البخاري ومسلم، وأين أنت يا شيخ الأزهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم. وأين أنت يا شيخ الأزهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ٦٦٦٦. وأما من يخذل المسلمين ولا يقف معهم ولا يدافع عن أخواته المسلمات، فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ يخذل امرأً مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته.) رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ٥٦٩٠. إذا تقرر هذان فإن الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله عز وجل، لا يملك أحدٌ من البشر مهما كان أن يشطبها أو يلغيها، والجلباب ليس علامة استعباد للمرأة كما زعم ساركوزي، بل هو طاعة لله عز وجل، واستعباد واستسلام لشرع رب العباد، وهو رمز للعفة والطهارة، وهو تاج الوقار والكرامة للمرأة المسلمة، التي اختارت طريق العفاف والطهر، لا طريق الرذيلة والعهر. ونحن لا نأخذ ديننا من غير كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا نطيع كافراً في شأن ديننا كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} سورة آل عمران الآية ١٠٠. ويجب أن يعلم أن كلام ساركوزي عن الحجاب ما هو إلا اعتداءٌ صريحٌ وواضحٌ على دين الإسلام، وعلى كتاب الله عز وجل وعلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى فريضة من فرائض الله، ولا يقل جرماً عن الرسوم المسيئة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والواجب عى كل مسلم الوقوف في وجه هذه الحملة الفرنسية الجديدة على الإسلام والمسلمين. وهذه الحملة الفرنسية على النقاب والحجاب تتناقض مع شعارات الحرية والمساواة التي ترفعها فرنسا!!! وتصريحات ساركوزي تتناقض مع القرار الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في ٢٨ أيار ٢٠٠٨ وانتقد خلاله القانون الفرنسي الذي يقضي بحظر ارتداء الزي الديني في المدارس بما فيه الحجاب الإسلامي، ثم لماذا هذه الهجمة على الجلباب الشرعي مع أنه يوجد في فرنسا بل في كل العالم الغربي راهبات يغطين رؤوسهن، ويلبسن ما يشبه الجلباب، ولماذا لا يعتبر ساركوزي ذلك استعباداً، أم أنها الحرب لكل ما يمت للإسلام بصلة، {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} سورة البقرة الآية ١٢٠.

وخلاصة الأمر أن الجلباب الشرعي فريضة ربانية، وأن الهجوم عليه تعدٍ على دين الإسلام، وأن الواجب على الأمة الإسلامية عامة، والعلماء خاصة أن يتصدوا لهذه الحملة الفرنسية الجديدة، ويجب أن يُعلم أن الحجاب إيمان وطهارة وتقوى وحياء وعفة، واستعباد وطاعة لرب العباد

<<  <  ج: ص:  >  >>