للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٨ - حكم الدراسة في مدرسة تمنع الفتاة من ارتداء الجلباب]

يقول السائل: ما حكم دراسة الفتاة المسلمة في مدرسة تشترط عليها أن لا تلبس الجلباب ويلزم ولي أمرها بتوقيع تعهد بذلك؟

الجواب: ينبغي أن يعلم أن لبس الجلباب بشروطه الشرعية فريضة على المرأة المسلمة المكلفة شرعاً يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سورة الأحزاب الآية ٥٩. فهذه الآية الكريمة أوجبت اللباس الشرعي على جميع النساء المسلمات. وقال تعالى: {قل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} سورة النور الآيتان ٣٠-٣١. وثبت في الحديث عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (أمرنا أن نخرج الحُيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدون جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن. قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب؟ قال صلى الله عليه وسلم: لتلبسها أختها من جلبابها) رواه البخاري ومسلم.

وجاء في الحديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: (أنها كانت عند أختها عائشة رضي الله عنها وعليها ثياب واسعة الأكمام فلما نظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم قام فخرج. فقالت عائشة رضي الله عنها تنحي فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً كرهه فتنحت فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لم قام؟ قال: أو لم تري هيئتها إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا - أي وجهها وكفيها -) رواه الطبراني والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص ٥٩. والذي يؤخذ من هذه الأدلة أن ستر المرأة لجميع بدنها إلا ما استثني واجب وجبه الله سبحانه وتعالى على المرأة المسلمة وقد بينت نصوص الكتاب والسنة شروط هذا اللباس وهي:

أولاً: أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على قول جمهور أهل العلم لما جاء في رواية أخرى لحديث أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها السابق (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: يا أسماء إن المرأة إن إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه) رواه أبو داود والبيهقي وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني. فينبغي للمرأة المسلمة أن تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ويدخل في ذلك القدمان.

ثانياً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق لأن الضيق يصف جسم المرأة وهذا يتنافى مع المقصود من الحجاب ولا يتحقق ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع.

ثالثاً: أن يكون صفيقاً غير شفاف أي ثخيناً سميكاً فلا يشف عما تحته وقد ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عاريات على رؤوسهن كأسمنة البخت العنوهن فإنهن ملعونات) رواه الطبراني بسندٍ صحيح كما قال الشيخ الألباني.

رابعاً: أن لا يكون زينةً في نفسه فلا يجوز للمرأة أن تلبس ما يبهر العيون من الملابس التي عليها نقوشٌ وزخارف مذهبة ونحو ذلك لأن هذه الملابس زينة في نفسها وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها قال تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ..) ونهى الله سبحانه وتعالى عن التبرج في قوله تعالى: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) .

خامساً: أن لا يكون معطراً مطيباً فلا يحل للمرأة أن تستعمل الطيب والعطور إذا خرجت من بيتها لقوله صلى الله عليه وسلم (أيما إمرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح.

سادساً: أن لا يشبه لباس الرجل، إن المرأة بطبيعتها وتكوينها الجسدي تختلف عن الرجل فلها لباسها وللرجل لباسه فلذلك لا يحل للمرأة أن تتشبه بالرجل وكذلك لا يحل للرجل أن يتشبه بالمرأة فقد جاء في الحديث (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.

سابعاً: أن لا يشبه لباس غير المسلمات لأن الإسلام نهى عن التشبه بغيرهم في أمور كثيرة وللمسلمين شخصيتهم وهيئتهم الخاصة بهم فعليهم أن يخالفوا غيرهم في ذلك فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها) رواه مسلم.

ثامناً: أن لا يكون لباس شهرة وهو كل ثوب قصد به الاشتهار بين الناس كأن يكون نفيساً جداً ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألسبه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديثٌ حسن. فهذه الشروط إذا توفرت في اللباس كان لباساً شرعياً.

إذا تقرر هذا فأعود إلى ما ورد في السؤال فأقول إنه يحرم على الفتاة المسلمة أن تدرس في مدرسة تمنعها من لبس الجلباب لأن لبسه فريضة كما سبق، وخاصة أن الفتاة في ديارنا ليست مضطرة للدراسة في هذه المدرسة بالذات وإن كانت هذه المدرسة متميزة في التعليم أو أنها تدرس اللغات الأجنبية، فلا يجوز شرعاً للمسلم أن يضيع فريضة من فرائض الله عز وجل من أجل مثل هذه الأمور، وكذلك يحرم على ولي أمر الفتاة أن يوقع أي تعهد أو إقرار بالموافقة على أن تنزع ابنته الجلباب أو أن لا تلبسه خلال فترة دراستها في تلك المدرسة أو غيرها من المدارس التي تشترط هذا الشرط الباطل، لأن ذلك يعتبر طاعة في معصية الله عز وجل، والطاعة لها حدود لا يجوز تجاوزها فإذ أُمِرَ المسلم بالقيام بمعصية سواء أكان الآمر مسلماً أو غير مسلم حاكماً أو غير حاكم فلا يجوز للمسلم الطاعة في المعصية. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) رواه البخاري. وقد نص العلماء على أن الطاعة تكون في غير معصية فقد روى الإمام البخاري الحديث السابق في (باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) صحيح البخاري مع فتح الباري ١٦/٢٣٩. وقال ابن خواز منداد من كبار فقهاء المالكية: [وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة ولا تجب فيما كان فيه معصية] تفسير القرطبي ٥/٢٥٩.

وجاء في حديث آخر عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لأحد في معصية الخالق) رواه أحمد والبزار وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وسنده قوي. فتح الباري ٥/٢٤١، وقال العلامة الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم. وجاء في رواية أخرى: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهي رواية صحيحة. سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني ١/١٣٧-١٤٤.

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز للمسلمة أن تخلع حجابها لتدرس في مدرسة معينة ولا يجوز لها أن توافق على عدم لبسه وكذلك يحرم على وليها أن يوقع أي تعهد أو إقرار بذلك بحجة الدراسة لأن ذلك ليس من الضرورة التي تبيح المحرمات. ويجب على المسؤولين عن التعليم في بلادنا أن يلزموا هذه المدارس بإلغاء هذا الشرط ذلك الإقرار الباطل. وعلى الناس عامة أن يقاطعوا هذه المدارس مقاطعة تامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>