للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٨ - حقوق الزوجة على زوجها]

السؤال: اشتكت مجموعة من النساء من سوء معاملة أزواجهن وقلن إن من أزواجهن من يضربهن ويشتمهن ويسب أهلهن ويسيء معاملتهن وبعضهم يقاطع زوجته الشهر والشهرين وأكثر من ذلك لأسباب تافهة وقالت إحداهن إنكم يا معشر المشايخ تتحدثون دائماً عن حق الزوج على زوجته ولا تتكلمون عن حقوق الزوجة على زوجها فلماذا؟ هلا بينتم لهؤلاء الأزواج حقوق زوجاتهم عليهم.

الجواب: إن الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على المودة والمحبة والتفاهم بين الزوجين قال تعالى: {وَمِنْءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم الآية ٢١.

إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء] تفسير القرطبي ١٤/١٧.

ويجب على كل من الزوجين أن يعرف ما له وما عليه وقد بين الإسلام واجبات الزوجين وحقوقهما بياناً شاملاً فقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تبين حقوق الزوجة على زوجها

يقول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة: ٢٢٧. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً) رواه الترمذي وصححه.

فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يعاملها معاملة كريمة فيها اللطف والرحمة وحسن المعاملة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَاءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} سورة النساء الآية ١٩. قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ... ] تفسير القرطبي ٥/٩٧.

وقد حثّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة في أحاديث كثيرة وقد بوب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال: "باب الوصاة بالنساء"، وقال الإمام البخاري أيضاً: "باب المداراة مع النساء"، وقال الإمام البخاري أيضاً: "باب حسن المعاشرة مع الأهل".

ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً) .

قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث: [وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه فتح الباري ١١/١٦٣.

وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: (واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي ١/٣٤١. وقال صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

قال العلامة ابن علان المكي: [ (وخياركم خياركم لنسائهم) وفي رواية (خيركم خيركم لأهله) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد (أنا خيركم لأهلي) وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم] دليل الفالحين ٣/١٠٦.

ومن حقوق الزوجة على زوجها وجوب الإنفاق عليها بالمعروف من طعام وشراب وكسوة وغير ذلك من لوازم الحياة وأن لا يحرمها مما تشتهيه وأن لا يكون بخيلاً في النفقة عليها ولا على أولاده

وكل ذلك يكون حسب حالة الزوج المالية لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} سورة البقرة الآية ٢٣٣، ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية ٢٨٦.

وعلى الزوج أن يعلم أن المال الذي ينفقه على زوجته وأولاده له فيه أجر عظيم كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفق الرجل فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم.

وقد ورد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود وذكر معنى لا تقبح أي لا تقل قبحك الله. وهو حديث حسن صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أب داود ٢/٤٠٢

ومن حقوق الزوجة على زوجها أن لا يفشي أسرارها وأن لا يذكر عيوبها لما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم: (إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم.

ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يأذن لها بزيارة أهلها وأقاربها وجيرانها وكذلك إذا استأذنته بالخروج إلى صلاة الجماعة والجمعة بشرط أن يكون خروجها شرعياً فلا تمس طيباً ولا تخرج متزينة مع أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ولا ينبغي لزوج منع زوجته من الذهاب إلى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح.

وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني ومعنى تفلات: غير متطيبات. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب) رواه مسلم.

ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يفقهها في دينها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التحريم الآية ٦. ويجب على الزوج أن يأمرها وأولاده بالمحافظة على الصلاة لقوله الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} سورة طه الآية ١٣٢.

هذه أهم حقوق الزوجة على زوجها باختصار وينبغي أن يعلم أنه يحرم على الزوج أن يسب زوجته وأهلها أو يلعنها فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه

كما ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للزوج أن يهجر زوجته في الكلام فوق ثلاثة أيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري ومسلم. وأما الهجر في المضجع المذكور في قوله تعال {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع} سورة النساء الآية ٣٤. فهذا الهجر سببه النشوز وأجازه جماعة من العلماء إلى شهر كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نسائه شهراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>