للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٧ - حكم نشر أسرار المعاشرة الزوجية]

يقول السائل: ما حكم أن يتحدث الأزواج عما يجري بينهم وبين زوجاتهم من معاشرة؟ الجواب: اتفق أهل العلم على تحريم نشر أسرار الاستمتاع فيحرم على الزوج وكذا على الزوجة الحديث عما يجري بين الزوجين من أمور تتعلق بالمعاشرة الزوجية ويدل على ذلك قوله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) سورة النساء الآية ٣٤. وقد ذكر الألوسي أن بعض المفسرين فسر الآية الكريمة بأن المراد منها حفظ النساء لأسرار أزواجهن أي ما يقع بينهم وبينهن في الخلوة. روح المعاني ٥/٢٤. ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم. وفي رواية أخرى عند مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها) . قال الإمام النووي: [وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه. فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) . وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأفعله أنا وهذه) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: (أعرستم الليلة؟) ...] شرح النووي على صحيح مسلم ٤/١٠. وقال القرطبي المحدث: [ومقصود هذا الحديث هو أن الرجل له مع أهله خلوة وحالة يقبح ذكرها والتحدث بها وتحمل الغيرة على سترها ويلزم من كشفها عار عند أهل المروءة والحياء. فإن تكلم بشيء من ذلك وأبداه كان قد كشف عورة نفسه وزوجته إذ لا فرق بين كشفها للعيان وكشفها للأسماع والآذان إذ كل واحد منهما يحصل به الاطلاع على العورة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تعمد المرأة فتصف المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها) فإن دعت حاجة إلى ذكر شيء من ذلك فليذكره مبهماً غير معين بحسب الحاجة والضرورة كما قال صلى الله عليه وسلم: (فعلته أنا وهذه) وكقوله: (هل أعرستم الليلة) وكقوله: (كيف وجدت أهلك؟) والتصريح بذلك وتفصيله ليس من مكارم الأخلاق ولا من خصال أهل الدين] المفهم لم أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٤/١٦٢. وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل فيه خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وجاء فيه: (ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ... هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا فعلت كذا قال: فسكتوا قال: فأقبل على النساء فقال: هل منكن من تحدث فسكتن فجثت فتاة على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها فقالت: يا رسول الله إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثنه فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى منها حاجته والناس ينظرون إليه ...] وصححه الألباني كما في آداب الزفاف ص ١٤٤. قال الشوكاني: [والحديثان يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلاً عن كونه من شرهم. وكذلك الجماع بمرأى الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصاً به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال] نيل الأوطار ٦/٢٢٤-٢٢٥. وقد اعتبر العلامة ابن حجر المكي أن إفشاء أسرار الاستمتاع بين الزوجين من كبائر الذنوب فقال: [الكبيرة الثالثة والرابعة والستون بعد المئتين: إفشاء الرجل سر زوجته وهي سره بأن تذكر ما يقع بينهما من تفاصيل الجماع ونحوها مما يخفى] ثم ذكر الأحاديث السابقة وغيرها ثم قال: [عدُّ هذين كبيرتين لم أره لكنه صريح ما في هذه الأحاديث الصحيحة وهو ظاهر لما فيه من إيذاء المحكي عنه وغيبته وهتك ما أجمعت العقلاء على تأكد ستره وقبيح نشره] الزواجر عن اقتراف الكبائر ٢/٥٩-٦٠. وخلاصة الأمر أنه يحرم على الزوجين نشر ما يجري بينهما من أمور الاستمتاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>