للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٩ - الطلاق]

حكم كنايات الطلاق

الجواب: اتفق أهل العلم على تقسيم الطلاق من حيث الصيغة إلى قسمين: صريح وكنائي. فالطلاق الصريح هو الذي يقع بألفاظ صريحة في الطلاق ويلحق بالطلاق الصريح ما اشتهر استعماله في الطلاق عرفاً كما نص على ذلك قانون الأحوال الشخصية المطبق في بلادنا في المادة ٩٥: [يقع الطلاق بالألفاظ الصريحة وما اشتهر استعماله فيه عرفاً دون الحاجة إلى نية] . فالطلاق الصريح يقع بمجرد صدور اللفظ ممن يملك الطلاق ولو لم يقصد فلا يحتاج الطلاق الصريح إلى نية كما قرر ذلك أهل العلم، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد ولا خلاف في ذلك] المغني ٧/٣٩٧. وأما الطلاق الكنائي فيكون باستعمال ألفاظ تحتمل الطلاق وغيره كقول الزوج لزوجته أخرجي من المنزل أو إلحقي بأهلك أو خليت سبيلك ونحو ذلك من الألفاظ. والطلاق بالكناية يقع إذا قصد الزوج الطلاق ونواه وأما إذا لم يقصده ولم ينوه فلا يقع. وهذا لأن الألفاظ الكنائية تحتمل الطلاق وغيره فلا يصرف إلى الطلاق إلا بالنية وأما وقوعه بالنية فلأن اللفظ يحتمله فيصرف إليها بها. الموسوعة الفقهية ٢٩/٢٦. ومما يدل على اعتبار النية في الطلاق الكنائي ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها: [أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك! فقال لها: (لقد عذت بعظيم؛ إلحقي بأهلك) رواه البخاري. وفي الصحيحين وغيرهما في حديث تخلف كعب بن مالك لما قيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقال: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: (بل اعتزلها فلا تقربنها) فقال: لإمرأته الحقي بأهلك. فأفاد الحديثان أن هذه اللفظة تكون طلاقاً مع القصد ولا تكون طلاقاً مع عدمه] الروضة الندية ٢/٢٦٣-٢٦٤. إذا تقرر هذا فنعود إلى رسالة السائل وما ذكر من ألفاظ كنائية فأقول إن ما قاله المالكية بوقوع الطلاق بلفظ اسقني الماء أو ساميحني أو اعفي عني إنما جاء بناءً على قولهم إن كناية الطلاق على قسمين: كناية ظاهرة وكناية خفية. انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ٢/٣٧٨ فما بعدها. وما ذكره السائل من لفظ اسقني الماء ولفظ سامحيني فهو كنايات خفية فأوقعوا بها الطلاق إن نوى الزوج الطلاق ولكن الذي يظهر لي أن الطلاق لا يقع بهذين اللفظين لأن هذه الألفاظ لا تستعمل في الطلاق لا لغة ولا عرفاً وهي غير محتملة للطلاق. قال الشيخ ابن قدامة المقدي: [فأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق كقوله: اقعدي وقومي وكلي واشربي واقربي وأطعميني واسقني وبارك الله عليك وغفر الله لك وما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع الطلاق به لوقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وبهذا قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي في قوله: كلي واشربي فقال بعضهم: كقولنا وقال بعضهم: هو كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع به كقولنا ذوقي وتجرعي. ولنا: أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة المرسلات الآية ٤٣. وقال: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية ٤. فلم يكن كناية كقوله: أطعميني، وفارق ذوقي وتجرعي، فإنه يستعمل في المكاره كقول الله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) سورة الدخان الآية ٤٩. و (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) سورة الحج الآية ٢٢. و (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) سورة القمر الآية ٤٨. وكذلك التجرع قال الله تعالى: (يَتَجَرَّعهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ) سورة إبراهيم الآية ١٧. فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما] المغني ٧/٣٩٥-٣٩٦. وأمام ما ذكره السائل من كتابة معلومات غير صحيحة فهذا يعتبر كذباً ولا يعتبر طلاقاً وكذلك إذا سئل فأجاب بإجابات كاذبة كما ذكر في السؤال فلا يعتبر طلاقاً. وأما قول الشخص لزوجته أنا أفكر في طلاقك في اليوم ألف مرة وكان ناوياً الطلاق فيقع طلقة رجعية. وأما قول الآخر أكبر خطأ عملته في حياتي أنني تزوجت بك. فلا يقع به الطلاق لأنه لم يصدر عنه لفظ صريح ولا كناية حتى يقع بالنية. وكذلك قوله سامحيني ... فلا يقع الطلاق لما سبق. وأما قول الشخص لزوجته إما أن تتعاوني معي وإما أن نفترق فهو طلاق معلق فإن لم يتم التعاون بينهما فهي طلقة رجعية وإن تعاونت فليس طلاقاً.

وأخيراً يجب التنبه على أن الحياة الزوجية رباط مقدس يجب المحافظة عليه والمسلم لا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا سدت جميع طرق الاصلاح وتعذرت الحياة وصارت صعبة جداً. وكذلك فإنه لا يجوز التلاعب بالزواج والطلاق من أجل تحقيق مصالح معينة كالحصول على حق الإقامة أو الحصول على معاش من تأمين أو نحو ذلك من الأغراض. ومن المعلوم عند أهل العلم أنه لا فرق بين الجد والهزل في الطلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>