للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٧٤ - النكاح]

يقول السائل: ما قولكم في الزواج بين العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى حيث إنه يشاع بين الناس أن الزواج بينهما غير مرغوب في هذا الوقت ويتشاءمون منه؟

الجواب: الأصل في المسلم أنه لا يتطير ولا يتشاءم لأن الطيرة والتشاؤم من الشرك والعياذ بالله فقد جاء في الحديث عَنْ ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة شرك الطيرة شرك) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (١٣١٤) وقال صلى الله عليه وسلم: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك) قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك) رواه أحمد وابن السني وإسناد ابن السني صحيح. وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ) رواه البخاري والتطيّر هو التشاؤم. واعتبر التطير شركاً لأن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره. ولأنه تعلّق بأمر لا حقيقة له، والتشاؤم من الاعتقادات الجاهلية وما زال كثير منها منتشراً بين الناس في وقتنا الحاضر والتشاؤم من الزواج في شوال من الأمور التي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية قال في صبح الأعشى (الشهر العاشر شوال سمي بذلك أخذا من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أول شهور الحج وقيل من شال يشول إذا ارتفع ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الإشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك قالت عائشة رضي الله عنها فيما ثبت في صحيح مسلم تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال فأي نسائه كان أحظى عنده مني) . صبح الأعشى في صناعة الإنشا ٢/ ٤٠٢. وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال , وبنى بي في شوال , فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال) . قال الإمام النووي: قوله: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال , وبنى بي في شوال , فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال) فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال , وقد نص أصحابنا على استحبابه , واستدلوا بهذا الحديث , وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه , وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال , وهذا باطل لا أصل له , وهو من آثار الجاهلية , كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع. شرح النووي على صحيح مسلم ٩ / ٢٠٩. وقال الحافظ ابن عبد البر: (وكانت عائشة تنكر حديث الشؤم وتقول إنما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الجاهلية وأقوالهم وكانت تنفي الطيرة ولا تعتقد شيئا منها حتى قالت لنسوة كن يكرهن الابتناء بأزواجهن في شوال ما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في شوال وما دخل بي إلا في شوال فمن كان أحظى مني عنده وكانت تستحب أن يدخلن على أزواجهن في شوال) التمهيد لابن عبد البر ٩/ ٢٨٨. وقال السيوطي: (عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وأدخلت عليه في شوال وكانت عائشة تحب أن تدخل نساءها في شوال فأي نسائه كانت أحظى عنده مني) قال القاضي عياض والنووي قصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه من كراهة التزويج والدخول في شوال كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع قال ... في طبقات ابن سعد أنهم كرهوا ذلك لطاعون وقع فيه. شرح السيوطى على سنن النسائي ٦/٧٠. وقال ملا علي القاري: قيل إنما قالت هذا ردا على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يرون يمناً في التزوج والعرس في أشهر الحج. المرقاة ٦/٣٠٣. وقال الحافظ ابن كثير (عن عائشة قالت تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال فأي نساء رسول الله كان أحظى عنده مني وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن سفيان الثوري به وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سفيان الثوري فعلى هذا يكون دخوله بها عليه السلام بعد الهجرة بسبعة أشهر أو ثمانية أشهر وقد حكى القولين ابن جرير وقد تقدم في تزويجه عليه السلام بسودة كيفية تزويجه ودخوله بعائشة بعد ما قدموا المدينة وأن دخوله بها كان بالسنح نهاراً وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم وفي دخوله عليه السلام بها في شوال رداً لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين) البداية والنهاية ٣/ ٢٣١. وقال العلامة ابن القيم: (وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تستحب أن تتزوج المرأة أو يبنى بها في شوال وتقول: " ما تزوجني رسول الله إلا في شوال، فأي نسائه كان أحظى عنده مني " مع تطير الناس بالنكاح في شوال، وهذا فعل أولى العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله، واطمأنت قلوبهم إلى ربهم، ووثقوا به، وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأنهم ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم ويوجدهم، وعلموا أنه لا بد أن يصيروا إلى ما كتبه وقدَّره ولا بد أن يجرى عليهم، وإن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم، بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر فيعينون على أنفسهم، وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم، وأما المتوكلون على الله المفوِّضون إليه العالمون به وبأمره فنفوسهم أشرف من ذلك، وهممهم أعلى، وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة لهم وقوة وجنة مما يتطير به المتطيرون ويتشاءم به المتشائمون، عالمون أنه لا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولا إله غيره، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. مفتاح دار السعادة ٢ / ٢٦١. وذهب بعض أهل العلم إلى استحباب الزواج في شوال كما سبق في كلام الإمام النووي أخذاً من حديث عائشة السابق قال البكري: (قوله وفي شوال أي ويسن أن يكون العقد في شوال وقوله وأن يدخل فيه أي ويسن أن يدخل على زوجته في شوال أيضا والدليل عليه وعلى ما قبله خبر عائشة رضي الله عنها قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ودخل فيه وأي نسائه كان أحظى عنده مني وفيه ردٌ على من كره ذلك) إعانة الطالبين ٣/ ٢٧٣. ولكن الإمام الشوكاني يرى أن حديث عائشة لا يدل على استحباب الزواج في شوال بل يدل على مجرد الإباحة واعترض على صاحب المنتقى بقوله (استدل المصنف بحديث عائشة على استحباب البناء بالمرأة في شوال وهو إنما يدل على ذلك إذا تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم على طريق الاتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الاستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوج صلى الله عليه وسلم بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الاتفاق ولم يتحر وقتاً مخصوصاً ولو كان مجرد الوقوع يفيد الاستحباب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم) نيل الأوطار ٦/ ٣٣٩ وخلاصة الأمر أنه لا يجوز التشاؤم بالزواج بين العيدين والزواج بينهما مباح ومشروع وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بين العيدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>