للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٠ - تسوية الصفوف في صلاة الجماعة]

يقول السائل: هنالك تساهل من كثير من المصلين في تسوية الصفوف في صلاة الجماعة وكذلك فإن بعض أئمة المساجد لا يهتمون بذلك، وبعض المصلين يتضايق عندما يحاول أحد المصلين رص الصف، أرجو توضيح مسألة تسوية الصفوف؟

الجواب: قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب إقامة الصف من تمام الصلاة] ثم روى بإسناده عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده. فقولوا ربنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون، وأقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة) ثم روى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) ، ثم قال الإمام البخاري: [باب إثم من لم يتم الصفوف] ، ثم روى عن أنس رضي الله عنه أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف. وروى الإمام مسلم من حديث أنس رضي الله عنه (فإن تسوية الصف من تمام الصلاة.) وقال الإمام البخاري أيضاً: [باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، وقال النعمان بن بشير: رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [والمراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله. وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله.] فتح الباري ٢/٢٧٣. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: عباد الله؛ لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يُصَلون على الذين يَصِلون الصفوف، ومن سدَّ فرجةً رفعه الله بها درجة.) رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ١/١٢١. إذا تقرر هذا فإن تسوية الصفوف في صلاة الجماعة من تمام الصلاة أو من إقامة الصلاة، أو من حُسن الصلاة، كما ورد في الأحاديث، وتسوية الصفوف مطلوبة شرعاً إما على سبيل الندب كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وإما على سبيل الوجوب كما هو قول الإمام البخاري وابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد العثيمين، وعلى كلٍ فإن تسوية الصفوف أمر لابد منه، وهو مطلوب من المصلين عامةً، ومن الإمام خاصةً، فلا بد للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف، كما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف.] ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: (أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري) . وينبغي أن يعلم أنه يدخل في تسوية الصفوف ما يلي: أولاً: إتمام الصف الأول فالأول، لما ثبت في الحديث عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأُوَل ويتراصون في الصف) رواه مسلم. وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الأول ثم الذي يليه فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان وهو حديث حسن كما قال المنذري والحافظ ابن حجر. وبناءً على ذلك قرر أهل العلم أنه لا يجوز ابتداء صفٍ قبل إتمام الصف الذي قبله. ثانياً: التراص في الصف الواحد، بأن يقف المصلون متراصين، ويكون ذلك بإلزاق المنكب بالمنكب والكعب بالكعب، وسبق ما قاله الإمام البخاري في صحيحه: [باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، وقال النعمان بن بشير: رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه] قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (وقال النعمان بن بشير) هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة ... واستدل بحديث النعمان هذا على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرِجْل ـ وهو عند ملتقى الساق والقدم ـ وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافاً لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم ... ] فتح الباري ٢/٢٧٣-٢٧٤. وروى الإمام أحمد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (حاذوا بين المناكب وسدوا الخلل) وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ٧٤٣. ومن المؤسف أن بعض المصلين يتركون فرجة بينهم وبين من يقف بجانبهم بحجة عدم التضييق على الآخرين وغيرها من الحجج الواهية، ويتضايقون جداً إذا حاول أحد المصلين التراص في الصف، وينطبق على هؤلاء ما ورد عن بعض السلف: (ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم نفر منك كأنه بغل شموس) . ولا شك أن ترك الفرجات في الصف مخالف لما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفاً وصله الله ومن قطع صفاً قطعه الله) رواه أبو داود وصححه الحاكم وابن خزيمة. وعن أنس رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (راصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمدٍ بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحَذَف) رواه أبو داود والنسائي. والحَذَف صغار الغنم.

ولابد من التنبيه على أمر هام وهو أن تسوية الصف تكون بمحاذاة الكعبين لا بمساواة الأقدام برؤوس الأصابع، قال الشيخ محمد العثيمين: [الصحيح أنّ المعتمد في تسوية الصف، محاذاة الكعبين بعضهما بعضاً، لا رؤوس الأصابع، وذلك لأنّ البدن مركب على الكعب. والأصابع تختلف الأقدام فيها، فقدم طويل وآخر صغير فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعبين. وأما إلصاق الكعبين بعضهما ببعض فلا شك أنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضهما ببعض، أي: أنّ كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتحقيق المساواة. وهذا إذا تمت الصفوف وقام الناس، ينبغي لكل واحد أن يلصق كعبه بكعب صاحبه لتحقيق المساواة فقط وليس معنى ذلك أنه يلازم هذا الإلصاق ويبقى ملاصقاً له في جميع الصلاة. ومن الغلو في هذه المسألة ما يفعله بعض الناس: تجده يلصق كعبه بكعب صاحبه ويفتح قدميه فيما بينهما حتى يكون بينه وبين جاره في المناكب فرجة، فيخالف السنة في ذلك. والمقصود أنّ المناكب والأكعب تتساوى.] مجموع فتاوى العثيمين ١٣/٥١-٥٢.

ثالثاً: المطلوب من المصلي أن يكون ليناً في حركته لا جامداً كأنه جلمود صخر، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله) رواه أبو داود وهو حديث صحيح كما قال العلامة الالباني في السلسلة الصحيحة حديث ٦/٧٤، قال أبو داود: [ومعنى (ولينوا بأيدي إخوانكم) إذا جاء رجلٌ إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجلٌ منكبيه حتى يدخل في الصف] ، وقال الإمام النووي: [يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف ... ] المجموع ٤/٣٠١. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها) وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق.

رابعاً: المقاربة بين الصفوف، فلا يبعد الصف عن الآخر، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (راصوا صفوفكم، وقاربوا بينها) .

وخلاصة الأمر أن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، ومطلوب من الإمام أن يأمر بتسويتها ولا يدخل في الصلاة حتى تسوى الصفوف، وتكون تسوية الصف بإلصاق القدم بالقدم، والمنكب بالمنكب، وبمقاربة الصفوف، وإتمام الصف الأول فالأول، وينبغب للمصلي أن يكون ليناً هيناً بأيدي إخوانه المصلين، فيسمح بدخول شخص للصف إن كان هنالك فسحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>