للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٩٣ - الحداد]

الحداد على الأخ الميت، تقول السائلة: إن أخاها قد مات فحدت عليه لمدة عام وكانت لا تلبس إلا الملابس السوداء في ذلك العام فما حكم ذلك؟

الجواب: لا يشرع الإحداد على الأخ الميت أو أي قريب مات أكثر من ثلاثة أيام أما زوج المرأة إن مات فتحد زوجته عليه أربعة أشهر وعشرة أيام إلا إذا كانت حاملاً عند الوفاة فتحدّ حتى تضع حملها وهي عدة الوفاة في حقها في الحالتين.

والمقصود بالإحداد هو امتناع المرأة من الزينة وما في معناها خلال مدة الإحداد الشرعي.

ومما يدل على مشروعية الإحداد ما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) رواه البخاري ومسلم.

وعن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة اشهر وعشراً ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار) رواه البخاري ومسلم. وثوب العصب نوع من الثياب اليمانية.

وقوله نبذة من قسط أو أظفار - وهما نوعان من البخور - أي قطعة منهما.

من هذين الحديثين يؤخذ أنه لا يجوز للمرأة أن تحدّ على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام فإحداد المرأة على زوجها في عدة الوفاة واجب طوال العدة وأما إحدادها على غير زوجها كأبيها وأمها وأخيها وأختها وابنها وابنتها وغيرهم من الأقارب فليس بواجب بل هو جائز إن شاءت حدت وإن شاءت لم تحد.

ونقل الحافظ ابن حجر عن الحافظ ابن بطال قوله: [الإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما وكل ما كان من دواعي الجماع وأباح الشارع للمرأة أن تحدّ على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد وليس ذلك واجباً] فتح الباري ٣/٣٨٨.

ويحرم على المرأة أن تزيد مدة الإحداد عن ثلاثة أيام لموت أي قريب من أقربائها فلا يجوز الإحداد لمدة أسبوع ولا لأربعين يوماً ولا لسنة ولا لغير ذلك كما اعتاده كثير من النساء وللمرأة المسلمة اليوم أسوة حسنة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات فقد ثبت في الحديث عن زينب بنت أبي سلمة قالت: (لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها - وهي أم المؤمنين - بصفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها وقالت: إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحدّ عليه أربعة أشِهر وعشراً) رواه البخاري ومسلم.

فهذه أم حبيبة لما مات أبوها وفي رواية أخرى أخوها وبعد مرور ثلاثة أيام طلبت صفرة والصفرة نوع من الطيب فدعت به فمسحت عارضيها أي خديها وذراعيها مع أنها ليست محتاجة للتطيب وإنما لتثبت التزامها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وثبت في الحديث عن محمد بن سيرين قال: (توفي ابن لأم عطية رضي الله عنها فلما كان اليوم الثالث دعت بصفرة فتمسحت به وقالت: نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا على زوج) رواه البخاري.

وأما لبس السواد في الإحداد واتخاذ ذلك شعاراً للنساء في فترة الإحداد فليس مشروعاً وإنما يجوز للمرأة أن تلبس ما تشاء من ثيابها بشرط ألا يكون زينة في نفسه.

ويجب أن يعلم أن الإحداد خاص بالنساء وليس على الرجال إحداد بإجماع أهل العلم. الموسوعة الفقهية ٢/١٠٤.

لذلك فليس مشروعاً ما يفعله بعض الرجال عند موت قريب لهم من لبس ملابس سوداء وإعفاء بعض الرجال لحاهم لعدة أيام حزناً على ميتهم مع أنهم كانوا يعتادون حلق لحاهم.

فإذا انقضت أيام الحزن عادوا إلى حلق لحاهم فهذا الأمر في معنى نشر الشعر المنهي عنه كما قال الشيخ الألباني عند ذكره لما لا يجوز فعله عند الوفاة فقال: [- نشر الشعر، لحديث امرأة من المبايعات قالت: (كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه وأن لا نخمش وجهاً ولا ندعو ويلاً ولا نشق جيباً وأن لا ننشر شعراً) أخرجه أبو داود ... بسند صحيح - إعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلة حزناً على ميتهم فإذا مضت عادوا إلى حلقها! فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر يضاف إلى ذلك أنه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) رواه النسائي والبيهقي في الأسماء والصفات بسند صحيح عن جابر) أحكام الجنائز وبدعها ص ٣٠.

ومن صور الإحداد الجاهلي المعاصر الإحداد العام في الدول لموت رئيس أو عظيم أو حلول مصاب عام ومن مظاهر هذا الإحداد إيقاف الأعمال وتنكيس الأعلام وتغيير برامج الإعلام بما يناسب المقام من ثناء على الميت وذكر أعماله وغير ذلك مما يندرج تحت تقديس الأشخاص وتعظيمهم.

ولا يشك عالم بقواعد الشريعة ونصوصها عارف بسيرة أهل القرون الفاضلة أن هذا الفعل ليس مما يجيء بمثله الشرع الحنيف ولا فعله السلف الصالح مع كثرة من فقدوا رحمهم الله من العظماء والأكابر فهؤلاء الصحابة خير القرون رضي الله عنهم مات فيهم خير الخلق وسيد البشر وخليل الرحمن النعمة المسداة والرحمة المهداة رسولنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا ما فعله المتأخرون مع الصعاليك العظماء فدل ذلك على عدم مشروعيته إذ لو كان مشروعاً لفعلوه مع إمام العظماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وتقدم نقل الإجماع على أن الإحداد مما اختصت به النساء دون الرجال وهي إنما تحدّ على زوجها المتوفى عنها أربعة أشهر وعشراً أو على غيره ثلاثة أيام وأما ما سوى ذلك فهو من الإحداد الممنوع.

ولا شك أن تعطيل أعمال الناس لأجل موت أحدهم فيه إفساد لمصالح الأحياء وإهدار لطاقاتهم وربطهم بالموتى وكأن الحياة لا تصلح ولا تطيب إلا بمن فقدوا ومن جهة أخرى فإن هذا الإحداد المبتدع مما أخذه بعض المسلمين عن الكفار ومعلوم من نصوص الكتاب والسنة أن التشبه بهم ممنوع قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) والتشبه بهم من موالاتهم. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم فعن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وأبو دواد.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد هذا الحديث: [وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم] اقتضاء الصراط المستقيم ١/٢٣٦ أحكام الإحداد ص ٢٩- ٣٠.

ومن الأمور التي أحدثها الناس في الإحداد امتناع أحدهم عن الزواج لمدة سنة بعد وفاة قريب له أو أكثر أو أقل، ومثل ذلك عدم حضورهم للأعراس بعد وفاة قريب لهم لمدة قد تطول أو تقصر حسب أهوائهم.

فكل ذلك ليس له أصل في الشرع والخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع.

?????

<<  <  ج: ص:  >  >>