للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٧ - حكم اليمين والخمسة المعمول بها في القضاء العشائري]

يقول السائل: ما قولكم فيما يسمى باليمين والخمسة في القضاء العشائري، وهل هو معتبر في شريعتنا الإسلامية، أفيدونا؟

الجواب: ما يعرف بالقضاء العشائري هو في الحقيقة قضاء بالعرف وهو كما يقول المهتمون به: [مجموعةٌ من القوانين والأعراف المتداولة والمتعارف عليها، والتي تحوي خلاصة تجارب السنين، وما مرَّ به المجتمع البدوي من أمور ومشاكل، تكرَّر حدوثها حتى وجد الناس لها حلولاً رضوا عنها، وصاروا يتعاملون بها حتى ثبتت وأصبحت دستوراً يتعامل به الناس ويسيرون وفق نظامه وتعاليمه. وهذا القانون قابل للتعديل والإضافة، ليتماشى مع كلّ عصر وفق بيئته وظروفه.] عن شبكة الإنترنت.

ولا شك أن للعرف العشائري جوانب إيجابية في المجتمع، حيث يلجأ الناس لرجال العشائر في الحوادث وخاصة حوادث القتل ولهم دور خاص في تهدئة النفوس عند حصول حوادث القتل بأخذ ما يعرف بالعطوة، ولكن هنالك أموراً كثيرة في الأعراف العشائرية مخالفة لشرع الله عز وجل يحرم الحكم بها.

وأما اليمين بخمسة ويسمى أيضا يمين دين بخمسة وهو عادة وعرف عشائري يلجأ إليه في حال عدم توفير الأدلة التي تدين المتهم، ويطلب من الشخص المتهم وخمسة من حمولته أن يزكوا يمينه بأنه صادق فيما حلف، ويؤخذ يمين دين بخمسة في قضايا العرض وقضايا الدم وقضايا الأرض وفي المعاملات التي تزيد قيمتها عن ألف دينار (ثمن بعير) . [ويقول قضاة العشائر: اليمين بخمسة إما في الرقبة أو في المال الذي يعدل الرقبة والعرض والأرض وكل تهمة قد تصل إلى حدود ذلك فيحق للمدعي أن يطالب بهذه اليمين، ويقوم المدعي باختيار خمسة أشخاص ثقات من أهل الدين من عصبة المتهم نفسه فيأتون عند القاضي العشائري فيقرأ القاضي صيغة القسم على مسمعهم وصيغته: " والله العظيم الذي ما أعظم منه عظيم إني بريء فيما اتهمت فيه، وأني لا بآلي ولا بأعلم – أي ليس عندي علم ولا دراية - ولا لي هبّة ولا سبّة " – الهبة والسبة: أني لم أحرض أحداً ولم أتسبب في شيء مما جرى - ثم يقوم الأربعة بالتتالي فيقول كل واحد منهم: وأنا أشهد بالله العظيم أنه صادق فيما قال. فإذا حلف المتهم وزكى له الأربعة فعندها تنتهي القضية بالنسبة للمتهم أما إذا تراجع واحد منهم عن اليمين أو رفض الحلف أصلاً فيكون المته قد وقع في الحرج وخسر القضية] القضاء العشائري في بئر السبع ص ١٢٧ بتصرف. ويجب أن يعلم أولاً أن العرف له اعتبار في الشرع كما هو مذهب كثير من العلماء، قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته:

والعرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار

انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص١١٢.

ولكن لا يعتبر العُرف في الشرع إلا بشروط هي: الشرط الأول: أن يكون العرف عاماً أو غالباً.

الشرط الثاني: أن يكون العرف مطرداً أو أكثرياً.

الشرط الثالث: أن يكون العرف موجوداً عند إنشاء التصرف.

الشرط الرابع: أن يكون العرف ملزماً؛ أي: يتحتم العمل بمقتضاه في نظر الناس.

الشرط الخامس: أن يكون العرف غير مخالف لدليل معتمد.

الشرط السادس: أن يكون العرف غير معارض بعُرف آخر في نفس البلد.

فإذا توفرت هذه الشروط فإن العرف حجة ... ] الجامع في أصول الفقه

إذا تقرر هذا فإن اليمين والخمسة وسيلة محرمة في شرعنا ولا يجوز التعامل معها لمخالفتها أدلة الشرع المعتبرة بشكل عام، وليست من طرق الإثبات المعتبرة في القضاء الشرعي لما يلي:

أولاً: من المعلوم عند العلماء أنه إذا تعذر على المدعي تقديم بينة بدعواه فإن اليمين تتوجه للمدعى عليه لما ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى رجال أموال قوم ودمائهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر) رواه البيهقي وأصله في الصحيحين وهو حديث حسن. والذي يطالب بالحلف هو الشخص المدعى عليه ولا يجوز لأحد أن يحلف نيابة عنه، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ويدل على ذلك أيضا ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الطالب، البينة فلم تكن له بينة فاستحلف المطلوب فحلف بالله الذي لا إله إلا هو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى قد فعلت ولكن قد غفر لك بإخلاص قول لا إله إلا الله) رواه أحمد وأبو داود، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/٦٣١.

ثانياً: إذا نكل واحد من الخمسة عن اليمين لأي سبب من الأسباب فإن التهمة تثبت على المدعى عليه، وهذا ظلم واضح وإدانة للمتهم بدون حجة ولا برهان.

ثالثاً: إذا حلف الخمسة وهم لم يحضروا الحادثة فشهادتهم شهادة زور وهي من كبائر الذنوب، قال الله تعالى {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} سورة الحج الآية ٣٠. وقد ثبت في الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور، وكان رسول الله متكئاً فجلس، فما زال يكررها حتى قلنا يا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم.

وخلاصة الأمر أن اليمين والخمسة المستعملة في الإثبات في الأعراف العشائرية وسيلة باطلة شرعاً، ويحرم استخدامها ويمكن تعديلها فيحلف الخمسة أنهم مثلاً ما علموا على المتهم أنه قام بما اتهم به ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>