للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١ - نظرات شرعية في فتوى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر بتحليل بناء الجدار الفولاذي]

يقول السائل: ما قولكم في فتوى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر في فتواه التي قالت بتحليل بناء الجدار الفولاذي، أفيدونا؟

الجواب: ذكر جماعة من العلماء أنه يشترط في المفتي أن يكون متيقظاً بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، قال العلامة ابن عابدين: [شرط بعضهم تيقظ المفتي، قال: وهذا شرط في زماننا، فلا بد أن يكون المفتي متيقظاً، يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإن لبعضهم مهارة في الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل في صورة الحق، فغفلة المفتي يلزم منها ضرر كبير في هذا الزمان] الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٢/٣٠. وقال العلامة ابن القيم تحت عنوان: [على المفتي ألا يعين على المكر والخداع، يحرم عليه - أي على المفتي - إذا جاءته مسألة فيها تحيل على إسقاط واجب أو تحليل محرم أو مكر أو خداع أن يعين المستفتى فيها ويرشده إلى مطلوبه أو يفتيه بالظاهر الذي يتوصل به إلى مقصوده، بل ينبغي له أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم بل يكون حذراً فطناً فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم يؤازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألة ظاهرها ظاهرٌ جميل، وباطنها مكرٌ وخداعٌ وظلم! فالغر ينظر إلى ظاهرها ويقضى بجوازه، وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها، فالأول يروج عليه زَغَل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زَغَل الدارهم، والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زيف النقود، وكم من باطلٍ يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق، وكم من حقٍ يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل! ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك، بل هذا أغلب أحوال الناس ولكثرته وشهرته يستغنى عن الأمثلة ... ] إعلام الموقعين٤/٢٢٩. أقول هذا أفضل وصف ينطبق على فتوى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر بتحليل بناء الجدار الفولاذي، حيث فقد أعضاء المجمع الذين أفتوا بتحليل إنشاء الجدار شرط تيقظ المفتي، وإذا كان العلامة ابن عابدين الحنفي قد قال: وهذا شرط في زماننا، فلا بد أن يكون المفتي متيقظاً، يعلم حيل الناس ودسائسهم، فإن لبعضهم مهارة في الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل في صورة الحق، فغفلة المفتي يلزم منها ضررٌ كبير في هذا الزمان، أقول إن كان شرط تيقظ المفتي شرطاً في زمان ابن عابدين، فهو أولى في زماننا، حتى لا يقع بعض المفتين قصيري النظر في مكر ودسائس الساسة، وينطلي عليهم ما يروج له الساسة من التزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل في صورة الحق. هذا أولاً، أما ثانياً: فإني أذكر أعضاء المجمع الذين أفتوا بتحليل إنشاء الجدار ببعض البدهيات التي لا يجهلها مسلم عادي فضلاً أن يجهلها أعضاء المجمع الأزهري! أين أنتم من قول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة الآية ٧١، ومن قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} سورة الحجرات الآية ١٠. ومن قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} سورة الأنبياء الآية ٩٢، ومن قوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} سورة المؤمنون الآية ٥٢، ومن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَالمِينْ} سورة المائدة الآية٥١. وأين أنتم من قَولَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى) رواه البخاري ومسلم، قال القاضي عياض: [فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضاً. وقال ابن أبي جمرة: شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخلَّ المرءُ بشيءٍ من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها، كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب] فتح الباري ١٠/٥٤٠. ومن قوله صلى الله عليه وسلم: (المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ) رواه البخاري ومسلم ومن قوله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم) رواه البخاري ومسلم، ومن قوله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري. ومن قوله صلى الله عليه وسلم: (كم من جارٍ متعلقٍ بجاره يوم القيامة يقول يا رب هذا أغلق بابه دوني فَمنع معروفه) أخرجه البخاري في الأدب المفرد وحسنه العلامة الألباني في صحيح الأدب المفرد. ثالثاً: ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي وقال العلامة الألباني: صحيح. إرواء الغليل ٣/٤٠٨. وقد قرر فقهاء الإسلام قاعدة شرعية مأخوذة من الحديث النبوي السابق تقول: " لا ضرر ولا ضرار"، فمن حق الإنسان أن يتصرف فيما يملك، ولكن بشرط أن لا يلحق الضرر بغيره، وإذا طبقنا هذه القاعدة على واقع الجدار يعرف الجواب بأدنى تأمل. رابعاً: ألم تسمعوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (عُذبت امرأةٌ في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) . رواه البخاري ومسلم. خامساً: ألم تسمعوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته) رواه البخاري ومسلم. وقد عدَّ العلماء ما ورد في هذا الحديث والذي قبله من كبائر الذنوب. انظر الكبائر للإمام الذهبي. سادساً: ألا تعلمون أيها المشايخ أن قطاع غزة كان تحت الحكم المصري منذ عام ١٩٤٨م وحتى وقع تحت الاحتلال عام ١٩٦٧م فدولتكم مسئولة عن القطاع وسكانه شرعاً وقانوناً وعرفاً. سابعاً: توافق صدور فتواكم مع قيام عدد كبير من المتضامنين الغربيين بالتظاهر وسط القاهرة مطالبين برفع الحصار عن قطاع غزة، وتزامن صدور فتواكم مع قيام مجموعة أخرى من الغربيين بتسيير قافلة شريان الحياة المحملة بمواد الإغاثة للذهاب إلى غزة، فهؤلاء الغربيين قاموا بما تمليه عليهم انسانيتهم تجاه أهل غزة!! وأنتم تناسيتم ما يمليه عليه دينكم من وجوب الوقوف مع إخوانكم في الدين وما تمليه عليكم عقيدتكم، أما عرفتم ما تقرره عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه القضية، إن كل مسلم يفهم حقيقة هذا الدين فهماً صحيحاً، لا بد أن يقدم ما يستطيع لنصرة المسلمين المستضعفين الذين يتعرضون لأشرس الحروب وأقذرها، ومن لم يفعل فعليه أن يراجع نفسه، لأن منهج أهل السنة والجماعة يقضي أن يقف المسلم مع أخيه المسلم، وأن يكون عوناً له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أصول أهل السنة ولجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُ بعضُه بعضاً وشبَّك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) . ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء] العقيدة الواسطية. وأما من يخذل المسلمين ويسهم في حصارهم ويمنع العون عنهم فإن الله عز وجل سيخذله، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئٍ يخذل امرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد وأبو داود وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ٥٦٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>