للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: النفس ليست بهيولى، فلو كانت هيولى لكانت قابلة للعظم، فليست النفس إذا بهيولى.

وقال: ليست النفس بجسم، لأن النفس نافذة في جميع أجزاء الجسم الذي له نفس، والجسم لا ينفذ في جميع أجزاء الجسم، ولا هيولى، لأن النفس لو كانت هيولى لكانت قابلة للمقادير والعظم، وفائدة هذا أن النفس جوهر على طريق الضرورة.

وقال آخر: حركة كلّ متحرّك تنقسم قسمين: أحدهما من داخل، وهو قسمان: قسم كالطبيعة التي لا تسكن البتّة، كحركة النار ما دامت نارا، وقسم هو كحركة النفس تهيج أحيانا وتسكن أحيانا، وكحركة جسد الإنسان التي تسكن إذا خرجت نفسه وصار جيفة.

والقسم الآخر من خارج، وهو قسمان: أحدهما يدفع دفعا كما يدفع السهم ويطلق عن القوس، والآخر يجرّ جرّا كما تجرّ العجلة والجيفة.

وقال: فنقول: ليس يخفى أنّ جسدنا ليس مدفوعا دفعا ولا مجرورا جرّا ولمّا كان كلّ مدفوع أو مجرور متحرّك من خارج متحرّكا لا محالة من داخل، فالجسد إذن متحرّك من داخل اضطرارا.

وقال: إن كان جسدنا متحرّكا من داخل، وكان كلّ متحرّك من داخل إمّا متحرّكا حركة طبيعيّة لا تسكن، وإما نفسيّة تسكن.

فليس يخفى أنّ حركة جسد الإنسان ليست بدائمة لا تسكن، بل ساكنة لا تدوم، وكانت حركة كلّ ما سكنت حركته فلم تدم ليست حركة طبيعيّة لا تسكن، بل نفسيّة من قبل نفس تحرّكه وتحثثه.

وقال: إن كانت النفس هي التي تحيي الإنسان وتحرّكه، وكان كلّ محرّك يحرّك غيره حيّا قائما موجودا، فالنفس إذا حيّة قائمة موجودة.

وقال أيضا: النفس جوهر لا عرض، وحدّ الجوهر أنّه قابل للأضداد من غير تغيّر، وهذا لازم للنّفس، لأنّها تقبل العلم والجهل، والبرّ والفجور والشجاعة والجبن، والعفّة وضدّها، وهذه أشياء أضداد، من غير أن تتغيّر في ذاتها، فإذا كانت النفس قابلة لحدّ الجوهر، وكان كلّ قابل لحدّ الجوهر جوهرا فالنفس إذا جوهر.

وقال: قد استبان أن النفس هي المحيية المحرّكة للجسد الّذي هو الجوهر ولما كان كلّ محي محرّك للجوهر جوهرا فالنّفس إذا جوهر.

وقال: لا سبيل أن يكون المحيا المحرّك جوهرا ويكون المحيي المحرّك غير جوهر، فإذا كانت هي المحيية المحركة للجسد، وكان لا يمكن أن يكون المحيي المحرّك للموجود غير موجود، فالنفس إذا لا يمكن أن تكون غير موجود.

<<  <   >  >>