للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قطاة، [وأحمق] من عقعق، وأزهى من غراب، وأظلم من حيّة. وأشدّ عداوة من عقرب. وأخبث من قرد، وأحمق من حبارى، وأكذب من فاختة، وألأم من كلب على جيفة، وأعقّ من ضبّ، وأبرّ من هرّة، وأنفر من ظليم «١» ، وأجرأ من ليث، وأحقد من فيل، وعلى هذا.

قال: وكما أنّ بين آحاد نوع الإنسان تفاوتا في الأخلاق، كذلك بين آحاد نوع الحيوان تفاوت، وكما أنه يزل بعض العقلاء فيركب ما لا يظن بمثله لعقله، كذلك يزلّ ويغلط بعض الحمقى فيأتي بما لا يحسب أنّ مثله يهتدي إليه، فليس العقل بحاظر على صاحبه أن يندر منه ما يكون من الحيوان، وأصناف الحيوان من الناس وغير الناس تتقاسم هذه الأخلاق بضروب المزاج المختلفة في الأزمان المتباعدة، والأماكن المتنازحة، تقاسما محفوظ النّسب بالطبيعة المستولية، وإن كان ذلك التقاسم مجهول النّسب للغموض الذي يغلب عليه، وإذا عرف هذا الشرح وما أشبهه ممّا يزيده وضوحا، زال التعجّب الناشئ من جهل العلة وخفاء الأمر.

قال: ومن العجب أنا إذا قلنا: أروغ من ثعلب، وأجبن من صفرد، وأحقد من فيل، أن هذا الرّوغ وهذا الجبن وهذا الحقد في هذه الأصناف ليست لتكون عدّة لها مع نوع الإنسان، ولكن لتتعاطى أيضا بينها، وتستعملها عند الحاجة إليها، وكما يشبّه إنسان لأنّه لصّ بالفأرة، أو بالفيل لأنّه حقود، أو بالجمل لأنّه صؤول، كذلك يشبّه كلّ ضرب من الحيوان في فعله وخلقه وما يظهر من سنخه بأنه إنسان.

ويقال للبليد من الناس: كأنّه حمار، ويقال للذكيّ من الخيل: كأنه إنسان، ولولا هذا التمازج في الأصل والجوهر، والسّنخ والعنصر، ما كان هذا التشابه في الفرع الظاهر، والعادة الجارية بالخبر والنّظر.

- فقال: هذا كلام لا مزيد عليه-.

وقالت العلماء: إن هذا الاعتبار واصل في الحقيقة إلى جنس النّبات، فإن النخل والموز لا ينبتان إلّا في البلدان الدّافئة والأرض اللّيّنة التّربة، والجوز والفستق وأمثالهما لا ينبتان إلّا في البلدان الباردة والأرض الجبليّة. والدّلب وأمّ غيلان في الصّحارى والقفار، والقصب والصّفصاف على شطوط الأنهار.

قالوا: وهكذا أيضا وصف الجواهر المعدنيّة، كالذهب، فإنه لا يكون إلا في الأرض الرّمليّة والجبال والإحجار الرّخوة. والفضة، والنحاس والحديد لا تكون إلا في الأرض النّدية والتراب اللّيّن والرّطوبات الدّهنية، والأملاح لا تنعقد إلّا في الأراضي

<<  <   >  >>