للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرّوح عن النّفس، أو هلّا أغنت النفس عن الرّوح؟ وهلّا كفت الطّبيعة؟ وما العقل؟

وما أنحاؤه؟ وما صنيعه؟ وهل يعقل العقل؟ وهل تتنفّس النّفس! وما مرتبته (اعني العقل) عند الإله؟ وهل ينفعل؟ وهل يفعل؟ وإن كان ينفعل ويفعل فقسط الفعل فيه أكثر من قسط الانفعال؟ وما المعاد المشار إليه؟ أهو للإنسان؟ أم لنفسه؟ أم لهما؟ وما الفرق بين الأنفس، أعني نفس عمرو وزيد وبكر وخالد؟ ثم ما الفرق بين أنفس أصناف الحيوان؟ وهل الملك حيوان؟ فقد علمت أنّه يقال له: حيّ، وهل فيه حياة؟

وعلى أيّ وجه يقال: إنّ الله عزّ وجلّ حيّ والملك حيّ والإنسان حيّ والفرس حيّ؟

وهل يقال: الطبيعة حيّة، والنّفس حيّة، والعقل حيّ؟ فإنّ هذا وما أشبهه شاغل لقلبي، وجاثم في صدري، ومعترض بين نفسي وفكري، وما أحبّ أن أبوح به لكلّ أحد، وقد بيّنته في هذه الرّقعة، فإن أحببت أن تعرضها على أبي سليمان فافعل، ولكن لا تدع خطّي عنده، بل انسخه له، وحصّل ما يجيبك به، ويصدع لك بحقيقته، ولخّصه، وزنه بلفظك السّهل، وإفصاحك البيّن، وإن وجب أن تباحث غيره فافعل، فهذا هذا، وإن كان الرجوع فيه إلى الكتب الموضوعة من أجله كافيا، فليس ذلك مثل البحث عنه باللّسان، وأخذ الجواب عنه بالبيان، والكتاب موات، ونصيب الناظر فيه منزور، وليس كذلك المذاكرة والمناظرة والمواتاة، فإنّ ما ينال من هذه أغضّ وأطرأ، وأهنأ وأمرأ، واجعل هذه الخدمة مقدّمة على كلّ مهمّ لك، فإنّي ناظرك، طامعا في الجواب المقنع الشّافي.

فعرضتها كما رسم على أبي سليمان وقرأتها عليه، وتمهّلت في إيرادها بحضرته، فلمّا فهمها ووقف عليها عجب وقال: هذه مسائل المتحكّمين، وطلبات المدلّين، واقتراحات المقتدرين، ومنيّة الأوّلين والآخرين.

قلت: هو كما قلت أيّها الشيخ، ولابدّ من جواب يعرض عليه يأتي على بعض مآرب النفس، وإن لم يأت على قاصية في المطلوب. فقال كلاما كثيرا واسعا أنا أحكيه على وجهه من طريق المعنى، وإن انحرفت عن أعيان لفظه، وأسباب نظمه، فإنّ ذلك لم يكن إملاء ولا نسخا، وأجتهد أن ألزم متن المراد، وسمت المقصود- إن شاء الله عزّ وجلّ-.

قال: أمّا قوله: ما النّفس؟ فإنّ التحديد يعوز، والرّسم لا يشفي، والوصف مقصّر عن الغاية، لأنّها ليس لها جنس ولا فصل فينشأ الحدّ بهما ومنهما، والاسم الشائع- أعني النفس- أخلص إلى المطلوب، وأحضر للمقصود من التّحديد، ولهذا ما اختلف الناس قديما وحديثا في حدّها، فقال قائل: النّفس مزاج الأركان. وقال قائل: النّفس تألّف الأسطقسّات، وقال قائل: النفس عرض محرّك بذاته. وقال قائل:

النفس هوائيّة. وقال قائل: النفس روح حارّة. وقال قائل: النفس طبيعة دائمة

<<  <   >  >>