للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقصد الخروج من ضائقته المالية، ونيل الحظوة لدى الوزراء والكبراء. فاتصل أبو حيان التوحيدي بالوزير أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي- وزير معز الدولة- الذي كان محبا لأهل العلم والأدب، عطوفا على الكتاب والأدباء، والظاهر أن التوحيدي قد جاهر أمام الوزير ببعض الآراء الحرة التي لم يرض عنها المهلبي، خصوصا وأن الشائع عنه أنه كان بعيدا كل البعد عن روح التسامح مع أصحاب العقائد والبدع، فنفاه من بغداد. وهذا ما رواه ابن فارس في «الفريدة والخريدة» حين قال إن الوزير المهلبي وقف على جميع دخلته، وسوء عقيدته، وما يبطنه من الإلحاد، وما يرومه في الإسلام من الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، وما يضيفه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه (أي الوزير المهلبي) ، وسمع بذلك أبو حيان «فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله منه، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية» والسبب في اتهام أبي حيان بسوء العقيدة والزندقة والانحلال إنما هو ذلك الكتاب الذي قيل إنه ألفه باسم «الحج العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعي» ، وهو الكتاب الوحيد الذي يظهر أنه أعرب فيه عن بعض الآراء الصوفية التي تتنافى- في الظاهر- مع قواعد الإسلام.

وقد عدّ ابن الجوزي زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الرّاوندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعري. واعتبر أبا حيّان أشرهم على الإسلام لأنهما صرّحا بزندقتهما وهو مجمع ولم يصرّح، كذلك فقد رماه الذّهبي بسوء الاعتقاد ووصفه بالضال الملحد، كما وصفه ابن فارس بالكذب وقلّة الدين والورع وبالقدح في الشريعة والقول بالتعطيل، وقال ابن حجر: كان صاحب زندقة وانحلال.

أما محب الدين ابن النجّار، مؤرخ العراق، فقد دافع عنه وقال: «إنه «كان صحيح الاعتقاد» ، وذهب إلى ذلك أيضا تاج الدين السّبكي قائلا:

«ولم يثبت عندي إلى الآن من حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه، ووقعت على كثير من كلامه فلم أجد منه إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس مزدريا بأهل عصره» .

وقد اعتبر عبد الرحمن بدوي أبا حيان أديبا وجوديا في القرن الرابع الهجري، ويضيف أن المستقصي لمراميه البعيدة لا يعدم أن يجد سندا لاتهامه بأنه كان في القليل رقيق الدين أو أنه كان يلونه بلون خاص به لا ينظر إليه أصحاب السنة نظرة الرضا، ويعتقد أن تكفير ابن الجوزي له إنما هو من نوع تكفيره الصوفية عامة. ومع ذلك، فلا نملك الوثائق الكافية للحكم في هذه المسألة حكما صحيحا، لأن الرسالة التي يمكن أن تكون الفيصل في هذا الأمر وهي: (كتاب الحج العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحج الشرعي) لم تصل إلينا، وعنوانها يدعو بالفعل إلى الكثير من التساؤل.

وأيّا ما كان الأمر،- إلى أن يأتي دليل مضاد- فإن التوحيدي كان على الأقل

<<  <   >  >>