للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِلْمُرُوءَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَكْشِفُ رَأْسَهُ وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَكَان لَا يَعْتَادُ أَمْثَالُهُ ذَلِكَ كَانَ تَارِكًا لِلْمُرُوءَةِ أَيْضًا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْكُلَ فِي الطَّرِيقِ وَالْأَسْوَاقِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَهُ وَلَا يَبُولَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ الْمَسْلُوكَةِ وَلَا يَحْمِلَ مَتَاعَهُ بُخْلًا بِأُجْرَةِ حَمَّالٍ يَحْمِلُهُ لَهُ.

[مَسْأَلَة قَبُول شَهَادَة أَصْحَاب الصَّنَائِع الرَّذِلَةِ كَالْحَجَّامَةِ وَالْحِيَاكَة وَنَحْوهمَا]

وَأَمَّا الصَّنَائِعُ الرَّذِلَةُ كَالْحَجَّامَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْحِرَاسَةِ وَالْقِيَامِ فِي الْحَمَّامِ وَالزَّبَّالِينَ وَالْقَصَّابِينَ وَالسَّمَّاكِينَ وَالْمُبَاشِرِينَ لِلنَّجَاسَاتِ بِأَثْوَابِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ وَأَزَالُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَأَتَوْا بِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الطَّاعَاتِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُمْ لِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ مَعَ أَنَّ النَّاسَ يَسْتَرْذِلُونَهَا دَلِيلٌ عَلَى دِرَّتِهِ عُقُولِهِمْ.

وَالثَّانِي: تُقْبَلُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَا اُسْتُرْذِلَ لِأَجْلِ الدِّينِ يُقْدَحُ وَمَا اُسْتُرْذِلَ لِأَجْلِ الدُّنْيَا كَالْحِيَاكَةِ لَمْ يُقْدَحْ وَقَالَ قَوْمٌ إنْ كَانَتْ صِنَاعَةُ آبَائِهِمْ وَقَدْ نَشَئُوا عَلَيْهَا مِنْ الصِّغَرِ لَا تُقْدَحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنَّمَا هُمْ اخْتَارُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا وَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَتَوَقَّى فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ لِيَنْقَطِعَ عَنْهُ أَلْسِنَةُ الْعَامَّةِ وَيَزُولَ عَنْهُ الظِّنَّةُ وَتَنْتَفِي عَنْهُ التُّهْمَةُ وَأَنْ يُنَظِّفَ مَطْعَمَهُ وَيُجَمِّلَ مَلْبَسَهُ وَيَحْفَظَ لَفْظَهُ وَيُظْهِرَ بِشْرَهُ مَعَ إخْوَانِهِ وَجِيرَانِهِ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ شُكْرِهِ إخْوَانَهُ وَجِيرَانَهُ وَخُلَطَاؤُهُ فَهُوَ جَائِزٌ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ السَّفَلَةَ وَمَنْ هُوَ مَشْهُورٌ بِبِدْعَةٍ وَيَتَوَقَّى إسْقَاطَ الْمُرُوَّةِ جَهْرَةً وَأَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مِنَّةٌ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.

<<  <   >  >>