للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فَصَلِّ يُحَرِّم عَلَى التَّاجِر أَنْ يُثْنِي عَلَى السِّلْعَة وَيَصِفهَا بِمَا لَيْسَ فِيهَا]

(فَصْلٌ) : وَيَحْرُمُ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى السِّلْعَةِ، وَيَصِفَهَا بِمَا لَيْسَ فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ تَلْبِيسٌ، وَظُلْمٌ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِسْقَاطُ مُرُوءَةٍ إذْ الْكَذِبُ الَّذِي يُرَوَّجُ قَدْحٌ لَا يَقْدَحُ فِي ظَاهِرِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ أَثْنَى عَلَى السِّلْعَةِ بِمَا فِيهَا فَهُوَ هَذَيَانٌ، وَتَكَلُّمٌ بِكَلَامٍ لَا يَعْنِيهِ، وَهُوَ مُحَاسَبٌ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ تَصْدُرُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨] إلَّا أَنْ يُثْنِيَ عَلَى السِّلْعَةِ بِمَا فِيهَا مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا يَصِفُهُ مِنْ خَفِيِّ أَخْلَاقِ الْعَبِيدِ، وَالْجَوَارِي، وَالدَّوَابِّ فَلَا بَأْسَ بِذَكَرِ الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ، وَإِطْنَابٍ، وَلَكِنَّ قَصْدَهُ مِنْهُ أَنْ يَعْرِفَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَيَرْغَبُ فِيهِ، وَتَنْقَضِي بِسَبَبِهِ حَاجَتُهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ جَاءَ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي تَذَرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ تَعَالَى عُرْضَةً لِأَيْمَانِهِ، وَقَدْ أَسَاءَ فِيهِ إذْ الدُّنْيَا أَخَسُّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ تَرْوِيجَهَا بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ «الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْمَكْسَبِ» .

وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَنِيٌّ مُسْتَكْبِرٌ، وَمَنَّانٌ بِعَطِيَّتِهِ، وَمُنْفِقٌ سِلْعَةً بِيَمِينِهِ» .

وَإِذَا كَانَ الثَّنَاءُ عَلَى السِّلْعَةِ مَعَ الصِّدْقِ مَكْرُوهًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فُضُولٌ لَا يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَلَا يَخْفَى التَّغْلِيظُ فِي أَمْرِ الْيَمِينِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأُبُلِّيِّ، وَكَانَ خَزَّازًا أَنَّهُ طُلِبَ مِنْهُ خَزٌّ لِلشِّرَاءِ فَأَخْرَجَ غُلَامُهُ سَفَطَ الْخَزِّ فَنَشَرَهُ، وَنَظَرَ إلَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا الْجَنَّةَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ رُدَّهُ إلَى مَكَانِهِ، وَلَمْ يَبِعْهُ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَعْرِيضًا لِلثَّنَاءِ عَلَى السِّلْعَةِ فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ اتَّجَرُوا فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يُضَيِّعُوا

<<  <   >  >>