للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَالْمَقَاعِدِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ فَيُقِرُّ مِنْ ذَلِكَ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا لِلْمُتَطَوِّعِ، فَهَذِهِ وُجُوهُ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ يَحْتَسِبُ بِوِلَايَةِ السُّلْطَانِ، وَبَيْنَ مَنْ يَحْتَسِبُ تَطَوُّعًا.

[فَصَلِّ أَوَّل مَا يُجِبْ عَلَى الْمُحْتَسَب]

(فَصَلِّ) أَوَّل مَا يَجِب عَلَى الْمُحْتَسِب أَنْ يَعْمَل بِمَا يَعْلَمُ، وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِفِعْلِهِ فَقَدْ قَالَ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى فِي ذَمِّ بَنْيِ إسْرَائِيل {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٤٤] ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ فَقُلْت: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: خُطَبَاءُ أُمَّتِك الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ» .

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا نَهَى قَوْمَهُ عَنْ بَخْسِ الْمَوَازِينِ، وَنَقْصِ الْمَكَايِيلِ {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: ٨٨] ، وَلَا يَكُونُ كَمَا قِيلَ شِعْرٌ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ، وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ.

[فَصَلِّ وَيُجِبْ عَلَى الْمُحْتَسَب أَنْ يَقْصِد بِقَوْلِهِ وَفَعَلَهُ وَجْه اللَّه تَعَالَى]

(فَصَلِّ) وَيَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِب أَنْ يَقْصِد بِقَوْلِهِ، وَفِعْله وَجْه اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبَ مَرْضَاتِهِ خَالِصَ النِّيَّةِ لَا يَشُوبُهُ فِي طَوِيَّتِهِ رِئَاءٌ، وَلَا مِرَاءٌ، وَيَتَجَنَّبَ فِي رِئَاسَتِهِ مُنَاقَشَةَ الْخَلْقِ، وَمُفَاخَرَةَ أَبْنَاءِ الْجِنْسِ لِيَنْشُرَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِدَاءَ الْقَبُولِ، وَعِلْمَ التَّوْفِيقِ، وَيَقْذِفَ لَهُ فِي الْقُلُوبِ مَهَابَةً، وَجَلَالَةً، وَمُبَادَرَةً إلَى قَوْلِهِ بِالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ فَقَدْ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ شَرَّهُمْ، وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ إلَيْهِمْ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ أَحْسَنَ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ» .

فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ

<<  <   >  >>