للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَتَابِكَ سُلْطَانَ دِمَشْقَ طَلَبَ مُحْتَسِبًا فَذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ فَلَمَّا نَظَرَهُ قَالَ إنِّي وَلَّيْتُك أَمْرَ الْحِسْبَةِ عَلَى النَّاسِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ: إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّرَّاحَةِ، وَارْفَعْ هَذَا الْمَسْنَدِ فَإِنَّهُمَا حَرِيرٌ، وَاخْلَعْ هَذَا الْخَاتَمَ فَإِنَّهُ ذَهَبٌ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» قَالَ فَنَهَضَ السُّلْطَانُ عَنْ طَرَّاحَتِهِ، وَأَمَرَ بِرَفْعِ الْمَسْنَدِ، وَخَلَعَ الْخَاتَمَ مِنْ أُصْبُعِهِ، وَقَالَ ضَمَمْت إلَيْك النَّظَرَ فِي أُمُورِ الشُّرْطَةِ فَمَا رَأَى النَّاسُ مُحْتَسِبًا أَهَيْبَ مِنْهُ قُلْت، وَهَذَا لَمَّا قَلَّدَ الْمُحْتَسِبَ، وَوَجَدَ الْمَحَلَّ قَابِلًا لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَالِهِ أَوْ مَكْرُوهًا يُصِيبُهُ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ.

[فَصَلِّ يَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكُونَ مُوَاظَبًا عَلَى سُنَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

(فَصَلِّ) وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكُون مُوَاظِبًا عَلَى سُنَن رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَظَافَةِ الثِّيَابِ، وَتَقْصِيرِهَا، وَالتَّعَطُّرِ بِالْمِسْكِ، وَنَحْوِهِ، وَجَمِيعِ سُنَنِ الشَّرْعِ، وَمُسْتَحَبَّاتِهِ هَذَا مَعَ الْقِيَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي عَدَالَتِهِ.

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ بِمَدِينَةِ غَزْنَةَ يَطْلُبُ الْحِسْبَةَ فَنَظَرَ السُّلْطَانُ فَرَأَى شَارِبَهُ قَدْ غَطَّى فَاهُ مِنْ طُولِهِ، وَأَذْيَالَهُ تُسْحَبُ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ لَهُ: يَا شَيْخُ امْضِ، وَاحْتَسِبْ عَلَى نَفْسِك ثُمَّ عُدْ، وَاطْلُبْ الْحِسْبَةَ عَلَى النَّاسِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ مُتَوَرِّعًا عَنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْمُتَعَيِّشِينَ، وَأَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ

<<  <   >  >>